في ندوة الثلاثاء الاقتصادي.. أما آن الأوان لفقراء سورية أن يحصلوا على حياة كريمة؟

بدأ الأستاذ عبد القادر نيال محاضرته بعرض موجز لتقريرالفقر وتجلياته والذي كشف عن وجود أكثر من 35% من سكان الريف و 18% من سكان المدن في سورية يعيشون تحت خط الفقر. ليصل عدد الذين هم تحت خط الفقر الأدنى 2,02 مليون نسمة أي مانسبته 11,4% من إجمالي عدد السكان عام 2004.

مفهوم الفقر ومعاييره وآلياته

يعتقد الأستاذ النيال أنه من الصعوبة تقديم تعريف علمي ودقيق لمفهوم الفقر، كون الفقر ظاهرة اجتماعية اقتصادية شديدة التعقيد.وإن إشكالية ظاهرة الفقر لاتقتصر على التعريف وحده، بل تشمل ثلاث مجموعات من معايير قياس الفقر، فالمعايير المالية تقوم على اعتبار الفقر نقصاً في الدخل أو الاستهلاك اللازم لتأمين حد أدنى من مستوى المعيشة، أما المعايير غير المالية للفقر فأنها تقاس وفق مؤشرات تعكس الأوجه غير الاقتصادية للرفاه (كالصحة والتعليم والبيئة والمشاركة في الانتخابات العامة) كمؤشر لقياس الفقر.أما المعايير المركبة فتعنى بتبيان الإخفاقات في الإمكانات والفرص.

ويرى المحاضر أن جميع المعايير المعتمدة لقياس حالة الفقر تعاني من نواقص وثغرات متنوعة مما جعلها عرضة لانتقادات عديدة، وإن أفضل دراسة تناولت هذا الموضوع هي الدراسة التي قدمها معتز سلامة عن آليات اجتماعية محركة للفقر في البلدان العربية ولخصها بالتفسير الخاطئ للخطاب الديني، وكبر حجم الأسرة، الفساد وبيروقراطية الفقر، البطالة ولاسيما الفئات المتعلمة، تأنيث الفقر كنتاج طبيعي لتأنيث البطالة، وأخيراً نظام التوريث، حيث يؤدي إلى تفتيت الثروة.

تقرير الفقر  في سورية

بتطبيق خط الفقر الأدنى بلغ عدد المواطنين الذين لا يستطيعون تلبية حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية في سورية عام 2003 ـ 2004 حوالي 2,02 مليون مواطن أي نحو 11,4% من إجمالي السكان وباستخدام خطوط الفقر العليا يرتفع العدد إلى 5,3 مليون أي نحو 30,14% من إجمالي السكان. وإن أكثر المناطق والأقاليم فقراً هو الإقليم الشمالي الشرقي الذي يتراوح خط الفقر الأدنى فيه حول  1279 ليرة سورية متوسط الفرد.

ويشير المحاضر حسب التقرير إلى أن ارتفاع مرونة العلاقة بين الفقر والنمو بشكل يجعل أي تراجع في معدلات النمو يفضي إلى سقوط عدد كبير من المواطنين تحت خط الفقر. وهذا ما دعا القائمين على وضع التقرير إلى القول إن الفقر في سورية غير عميق.

ويبين التقرير أن التعليم هو أكثر العوامل ارتباطاً بمخاطر الفقر حيث يتضح أن 18% من الفقراء أميون، وأن نسبة الفقراء الذين لم يحصلوا سوى على تعليم ابتدائي أو أقل بلغت 81,3% من إجمالي الفقراء. وإن هناك علاقة ترابطية بين البطالة والفقر على المستوى القومي، فأجور الفقراء تبلغ 80% من أجور غير الفقراء، والفقراء أكثر عرضة لصدمات اقتصادية بسبب عدم استمرارية العمل وانخفاض الدخل. ويبدي المحاضر بعض ملاحظاته على التقدير منها إن الاعتماد على مسوحات الدخل ونفقات الأسرة لا توفر وحدها البيانات المطلوبة لدراسة ظاهرة معقدة مثل ظاهرة الفقر. وإن التقرير لم يتعامل بدرجة كافية مع علاقة الفقر بتوزيع الدخل. كذلك لم يتوسع التقرير في التعاطي مع النتائج  الاجتماعية للعمالة المنقوصة. وباعتبار ظاهرة الفقر هي ظاهرة ديناميكية متحركة وبالنظر لارتفاع مرونة العلاقة بين النمو والفقر لا يمكن الاكتفاء بلقطة فوتوغرافية لأوضاع الفقر لحظة زمنية محددة بالإضافة إلى الشكوك حول دقة الأسعار المستخدمة في تقييم الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة.

الفقر في الخطة الخمسية العاشرة

يعتقد عبد القادر نيال أن الصعوبة لا تكمن في قراءة الخطة في كثرة عدد صفحاتها التي قاربت الألف صفحة، بل إن الصعوبة الحقيقية تكمن في الأسلوب الدبلوماسي الرفيق الذي صيغت به الخطة، أسلوب يرضي الجميع ويجد فيه كل قارئ ما يرغب أن يراه، وصياغة ملتبسة تحتمل التأويل في كل اتجاه، ويصعب الإمساك بمقاصدها الحقيقية، تشمل تقييما للخطة الخمسية التاسعة ورؤية مستقبلية لسورية 2025 وبرنامج للإصلاح الاقتصادي، يشعر من يطلع عليها بالطمأنينة والثقة بمستقبل البلاد والعباد، لكنه يشفق على الذين سيتولون تنفيذها للمهام الصعبة وشبه المستحيلة الملقاة على كاهلهم. وليس أدل على تفاؤلها المبالغ فيه من افتراضها الحصول على تمويل خارجي بحدود ألف مليار دولار في ظرف تشتد فيه الأعاصير على المنطقة، وتقع سورية منها في عين الإعصار.

ويضيف المحاضر إننا أمام أهداف بعيدة المدى قد تمتد لـ 10 أو 15 سنة لمعالجة مسألة ساخنة تهدد بالانفجار في أية لحظة، وإن تفاقم هذه الظاهرة في تزايد بوتيرة متسارعة في ضوء السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة والتي تفضي إلى اتساع رقعة الفقر كل يوم.

مداخلات وأسئلة

الدكتور داوود حيدو بدأ حديثه بمثال من الخطة الخمسية الثالثة فقال: نحن منذ أربعين سنة نناضل من أجل الحد الأدنى للأجور وعلى ما يبدو سنظل نناضل أربعين سنة أخرى نناضل من أجل هذا المطلب متسائلاً هل بإمكان الفقراء الدفاع عن حصتهم في الدخل القومي والحياة الكريمة؟ مشيرا بأن الفقر ليس معطى اجتماعياً بل فرض من طرف لآخر، وهذا ما أنتج الأمية والأمراض السارية والبطالة ونقص الإنتاجية والعوامل الاجتماعية منوها إلى أن تساوي الفرص أفضل من تساوي الإمكانات مقارناً بذلك أطفال الجزيرة بأطفال مدرسة الشويفات، متسائلاً كيف سندافع عن الوطن ونحن جياع؟

من جهته أشاد السيد غسان قلاع بتعريف جوزيف ستيغلتز عن الفقر وأضاف إن العدالة الاجتماعية هي اشتراكية وأن التفكير الآخر وما يعانيه اشتراكية، محاسبة النفس يومياً من صلب الاشتراكية، وليس من يحمل الهوية اشتراكياً، ومن لا يحملها ليس اشتراكياً، ونحن ننتمي إلى مجتمع شرقي أولا ًولمنطقة شرق أوسط مهد الحضارات ثانياً، ومقيمين في سورية تحديداً ثالثاً، ولولا التفكير بالآخر لما قامت كل هذه الحضارات، لكن الفقر يعكس جوعاً والجوع يعكس أمية وعدم إنتاجية ومرضاً وعالة على المجتمع فيزداد حجم الجريمة ويزداد النشاز في كل مناحي الحياة.

السيد أحمد دباس أشار إلى أنتهاء أكثرمن 3% من مدة إخراج التقرير إلى النور وهذا مايدل على فشله، فمتى ستتم مناقشة ألف صفحة في جلسات مجلس الشعب ونحن نمشي على هذه الوتيرة، مع أنه كان من اقتراحات المؤتمر القطري العاشر الانتهاء من دراسة الخطة الخمسية العاشرة قبل انتهاء عام 2005، وأظن أن الزمن أهم مورد وأغلى الآن، لذلك أقترح على جمعية العلوم الاقتصادية أن تبعث محاضرة الدكتور قدري جميل «السياسات الاجتماعية واقتصاد السوق الاجتماعي» والتعقيبات عليها إلى الحكومة ومجلس الشعب لدراستها ومناقشتها ونشرها لأن الجرائد الرسمية الثلاث لم تتناول المحاضرة بشكل جيد، كما كانت تفعل سابقاً مع الاهتمام بالإدارات التي ستنفذ هذه المهام.

الدكتور حيان سليمان رأى بأن موضوع الفقر أعمق من هذه الرؤية وتحدث حول آلية الاستقطاب والتقسيم الدولي للعمل، ووجد أن تراكم الثروة مترافق مع زيادة الفقر سواء أكان صراع الشمال أم الجنوب وقال ليس من باب الصدفة أن نجد أين تتواجد الثروة الطبيعية يتم الاقتصاد الريعي وبالتالي يتم الفقر وتزداد معدلات النمو، ورداً على بعض المثقفين الذين بدأوا التفكير في تبرير آليات الفقر أوضح حيان أنه للفقر فقران، فقر معرفي أولاً وفقر مواردي ثانياً، وبالتالي القضية ليست بأن نلعن الفقر ومن أتى به وإنما كقضية مرتبطة بآلية الاستقطاب والتقسيم الدولي للعمل والدول الرأسمالية وتراكماتها التي انطلقت من خلال النهب الذي ندفع ثمنه الفقر حالياً.مضيفا إن الدائرة الجهنمية للفقر لم تأت عن عبث وإن العلاقة الجدلية بين الفقر والجهل والاستثمارات ومعدلات النمو تبقى تدور، وبالتالي كيف سنخرج من تلك الدائرة الشيطانية.

هل نستسلم لها أم القضية معلقة بالإمكانات والموارد؟

وختم حديثه بموافقته للمحاضر حول الدور الذي لعبه التفسير الديني الخاطئ وقال إن لعنة البيت تبدأ من البيت وإن تدمير البيت يأتي ممن في داخل البيت!!

 

في النهاية يمكن القول إن تعاطي الخطة الخمسية العاشرة مع ظاهرة الفقر هو ليس بمستوى خطورتها على الاقتصاد والمجتمع، وإنه مالم يصر إلى اتخاذ خطوات جدية وسريعة لتطويقها ومعالجتها ستبقى بمثابة القنبلة الموقوتة التي تهدد أمن سورية واستقرارها فليس صدفة أن تكون أثمن المحافظات بكنوزها ومواردها أفقر المحافظات بمواطنيها.