الزيت السوري رخيص عالمياً.. و(عالمي) محلياً!

الزيت السوري رخيص عالمياً.. و(عالمي) محلياً!

دعم الصادرات وتسهيل إجراءات التصدير يستحوذ على الأولوية في السياسة التجارية للحكومة حسب تصريحاتها، منطلقة من أن انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار يعطي المنتجات المحلية ميزة تنافسية، التصدير المعتمد على المواد الزراعية،  كأداة  لتأمين القطع الأجنبي بما يسهم في تحسين سعر الصرف، وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للسوريين.. 

 

قاسيون تقدم نموذجاً من بيانات التصدير لأحد المصدرين لمادة زيت الزيتون، ليتم الإشارة إلى المستفيد الأكبر من عمليات التصدير، ولإظهار الأثر على الأسعار في السوق المحلية مقارنة بأسعار التصدير والأسعار العالمية، والعوائد التي تحصل عليها الحكومة من تجارة التصدير، وصولاً إلى أثر ذلك على معيشة السوريين!

سامر سلامة

من بيانات تصدير أحد التجار السوريين خلال الفترة الممتدة بين شهري تموز الماضي وتشرين الأول الحالي، فإن القيمة الإجمالية لصادراته بلغت حوالي 1,4 مليون يورو موزعة على حوالي 800 طن، وكانت الوجهة لأهم الدول المستوردة لزيت الزيتون السوري وهي إسبانيا ويليها السعودية..

السعر المحلي +65% عن العالمي!

انطلاقاً من بيانات التصدير فإن سعر الكغ من زيت الزيتون المعد للتصدير يبلغ 1,9 يورو وذلك مع إضافة نفقات النقل والتأمين التي تبلغ كحد أقصى حوالي 5%: موزعة على 4% نفقات نقل- 1% نفقات تأمين، وهو ما يعادل 1025 ل.س للكغ على أساس سعر الصرف الوسطي 540 ليرة مقابل اليورو للفترة الممتدة بين شهري 7 -10 من العام الحالي، أما على أساس سعر صرف اليورو في شهر 10 الحالي فإن سعر اللتر يبلغ 1065ل.س.

بالمقابل فإن سعر كغ زيت الزيتون في السوق المحلي يبلغ 1700 ل.س للتر أي حوالي: 3.1  يورو، وبالتالي يدفع المواطن السوري 675 ل.س زيادة مقابل الحصول على الكغ من زيت الزيتون المنتج محلياً!

وعليه فإن السعر في السوق المحلية أعلى من السعر الذي يجري التصدير به بنسبة 65%، وهو ما يدل على أحد الأمرين: إما أن الزيت المصدر يعود إلى مواسم سابقة، ويتم جمه من المزارعين خارج الموسم، وبأسعار أقل بكثير من الأسعار المحلية، وأقل من سعر التكلفة الذي قارب في الموسم الماضي 1000  ليرة للكغ، بينما كان السعر يتراوح بين 800- 1000 في بداية موسم العام الماضي 2015. أو أن سعر بيانات التصدير مخفف، أو مزور بداعي تخفيف الضرائب والرسوم، وتعهد قطع التصدير.

سعر التصدير -85% عن السعر العالمي!

انخفضت أسعار زيت الزيتون عالمياً بين عامي 2015-2016 بنسبة 30% ليستقر سعر الطن بحدود 3540 يورو، وبالتالي يبلغ سعر الكغ حوالي 3.5 يورو أي حوالي  1890 ل.س، بينما سعر التصدير السوري يبلغ 1.9 يورو وبالتالي يجري التصدير بسعر أقل من الأسعار العالمية بنسبة 85%، بينما سعر زيت الزيتون المحلي للمستهلك السوري يبلغ 3,1 يورو، مقابل اللتر المنتج محلياً، وبفارق 11% فقط بين السعرين!

في واحدة من المفارقات السورية حيث يصدر زيت الزيتون السوري، بسعر أقل من السعر العالمي بنسبة 85%، بينما يباع الزيت المحلي للمستهلك السوري بأسعار قريبة من السعر العالمي!

-540 ألف يورو قطع تصدير لن يعود!

فرض المصرف المركزي على المصدرين أن يعيدوا نسبة 50% من قطع التصدير، ثم أصدر إعفاءً اعتباراً من شهر 6-2016 ومستمر حتى اليوم، بإعفاء المصدرين من إعادة قطع التصدير للمركزي، وإمكانية الاحتفاظ به. وهو ما يفوت على خزينة المركزي مبلغ 700 ألف يورو وفق حجم صادرات الزيت المذكورة من تاجر واحد فقط! أما إذا ما كان الزيت يصدر بالأسعار المحلية، أي البيانات مزورة، فإن قيمة القطع الأجنبي المستوجب إعادته تبلغ 1,24 مليون يورو تقريباً بناء على السعر المحلي 3,1 يورو للتر. وبالتالي فإن مصدري زيت الزيتون، ممن يدفعون للمزارعين أسعاراً منخفضة، ويبيعون بأسعار أقل من الأسعار العالمية، وأقل من السعر الذي يدفعه المستهلك السوري، يحتفظون بكامل القطع الأجنبي الذي يحصلون عليه من عمليات التصدير، أو يدفعون مبلغاً أقل بمقدار 540 ألف يورو، حتى لو عاد المصرف المركزي ليلغي (إعفاءه للمصدرين) و(ترفعه) عن مبالغ قطع التصدير!

(نجاحات بالجملة) لسياسة التصدير

نجحت السياسة التجارية المعتمدة من تحقيق جملة أهداف، أياً منها لا يخدم المصلحة الاقتصادية لعموم السوريين وللبلاد، ففي مثال تصدير زيت الزيتون الحالي: يجمع قلة من التجار زيت الزيتون السوري من المزارعين بأسعار منخفضة وأقل من التكلفة، بعد أن أصبح تصريفه صعباً على المزارعين مع تراجع استهلاكه المحلي من قبل السوريين بسبب أسعاره المرتفعة بشكل قياسي لا يتناسب مع إمكانيات الدخل! ويبيع هؤلاء التجار الزيت بأسعار مسجلة بأقل من الأسعار العالمية بنسبة 85% كما في مثالنا، ليخففوا بهذا ما يترتب على فواتير التصدير من ضرائب، ومن قطع تصدير محتمل أن يعاد العمل به، بعد أن وسّع (الكرم الحكومي) من أرباح هؤلاء بالسماح لهم بالاحتفاظ بقطع التصدير، أي عدم إعادة أي جزء منه للخزينة العامة، ليبقى في السوق وتستفيد منه!

لو أن السياسة الاقتصادية لم تكن سياسة تجارية منحازة لمصلحة التجار، لكانت قد قدمت خدمات لقطاع التجارة ذاته! فتخفيض كلف إنتاج الزيتون، وإيجاد وسائل لدعمه، تضمن حصول المزارعين على عوائد من البيع، لا حصر العوائد في التجار، كان من الممكن أن يضمن توسيع إنتاج زيت الزيتون، وعدم ترك الأراضي وزيادة العناية بها من جهة، كفيل بتوسيع إمكانيات استهلاكه المحلية بتوفيره بسعر أقل نتيجة تخفيض التكلفة، وكان من الممكن أن يزيد من إمكانياته التصديرية بالتكلفة المنخفضة المدعومة. وكان من الممكن أيضاً أن تساهم مؤسسات اقتصادية حكومية بتعبئته وتحسين شروط إنتاجه، وتطبيق اتفاق المقايضة الذي اقترحته إيران في بدايات الأزمة، أو تصديره بشكل مباشر، بما يعيد عوائد قطع التصدير كاملة إلى الخزينة العامة.. هذا كله لم يتم وكانت نتيجة ترك الأمور لقوانين السوق، أن أصبح زيت الزيتون السوري متوفراً بكثرة للتجار ليصدروه، بعد أن فقد السوريون قدراتهم على استهلاك حاجاتهم الضرورية منه!

إنتاج الزيتون يتراجع والتصدير يتزايد!

• انخفض إنتاج زيت الزيتون السوري بين 2011-2015 بنسبة 40% تقريباً من 180 ألف طن، إلى 108 ألف طن.

• ازداد تصدير زيت الزيتون السوري خلال سنوات الأزمة بنسبة 30% من 23 ألف طن إلى 30 ألف طن.

•ارتفعت أسعار زيت الزيتون السوري محلياً بنسبة 566% تقريباً، من حوالي 300 ليرة للتر، وصولاً إلى 1700 ليرة للتر تقريباً.

•بناء على أرقام المجلس الدولي لزيت الزيتون.

آخر تعديل على السبت, 22 تشرين1/أكتوير 2016 17:19