العجز عن اختراق مطارح التهرب الضريبي الكبير.. الفقراء أهم دافعي الضرائب ارتفاع الحصيلة الضريبية ارتبط بتراجع دور الدولة الاجتماعي.. وعالمياً حصل العكس!

ثماني سنوات فقط كانت كفيلة بمضاعفة حصيلة الإيرادات الضريبية في سورية.. وهو ما اعتبره البعض انجازاً يحسب لوزارة  المالية، لكونه ضرورة يقتضيها تراجع الاعتماد على النفط، لكن هذا «الانجاز المالي» تم في الوقت الذي فشلت فيه كل التسهيلات والإعفاءات المقدمة لكبار المتهربين ضريبياً في إقناع الجزء الأكبر منهم بسداد مستحقاته الضريبية المتراكمة، إذاً على حساب أي الشرائح تم هذا الارتفاع الكبير في الحصيلة الضريبية، والمترافق مع التهرب الضريبي الدائم والكبير من التجار وكبار المكلفين؟!

25.4% حصة الإيرادات من الناتج

في عام 2000 قدرت حصيلة الإيرادات الضريبية بنحو 174 مليار ليرة سورية، لتشكل نحو 19% من الناتج الإجمالي بالأسعار الثابتة في العام ذاته، والبالغ 903944 مليون ليرة سورية، بينما وصلت هذه الإيرادات في عام 2008 إلى 340 مليار ليرة سورية، لتشكل بذلك 61% من الإيرادات العامة للموازنة العامة، ووصلت إلى 25.4% من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة في عام 2008، والبالغ 1339236 مليون ليرة سورية، أي نحو 13% من هذا الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، وهذا يعني أن قيمة إيراداتنا الضريبية قد تضاعفت 100% في ثماني سنوات، كما أن ذلك لم يقتصر على حجم هذه الإيرادات المرتفع في كل عام، وإنما في ارتفاع النسبة قياساً بالناتج المحلي التي دخلت على خط التأكيد أيضاً. 

ضرائب موازية للعالمية

الضرائب تشكل العمود الفقري للاقتصادات في الدول الأوروبية وأمريكا، فحصة الضرائب من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول يتراوح بين 20–50% من الناتج المحلي الإجمالي، فالإيرادات الضريبية تشكل في دول الإتحاد الأوربي الـ27 نحو 36% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي تركيا تصل هذه النسبة إلى 32.5 في المائة، بينما هذه النسبة هي أكثر من ذلك في فرنسا، وبريطانيا، وكندا، إلا أن هذه النسبة لا تتعدى 8% في العديد من الدول العربية، وهذا يعني أن حجم الضرائب في سورية يوازي تقريباً النسب العالمية..

سقوط المبررات

وجود العديد من الدولُ في العالم حصيلتها الضريبة تفوق الحصيلة لدينا نسبةً ورقماً، قد يدفع البعض لتبرير هذا الارتفاع عندنا، متناسين أن لكل من هذه الدول مبرراتها لرفع حجم إيراداتها الضريبية، ولكن يتناسون أن الضمان الاجتماعي المرتفع في الدول الأوروبية الذي يصل إلى نصف الناتج المحلي هو الذي يسقط إدعاءاتهم، فبشبكات الحماية الاجتماعية التي تقدمها هذه الدول لمواطنيها متنوعة ومتعددة، تبدأ من الرواتب المخصصة للعاطلين عن العمل، إلى الطبابة المجانية، وصولاً إلى شبكات الرعاية والحماية، فالمواطن  في هذه الدول يدفع الضرائب، وهو يعرف مسبقاً أنها ستعود إليه باليد الأخرى، ولكن العملية معكوسة لدينا تماماً، فارتفاع الحصيلة الضريبية ارتبط بالهجوم على الدعم المقدم للسوريين، وتضخيمه، والتراجع عن جزء غير قليل منه!. 

من يتحمل استدامة الضرائب؟!

ارتفاع هذه الإيرادات الضريبية في ظل هذا الواقع، والعجز المقابل عن تحقيق اختراق ضريبي في مجال التهرب الضريبي الكبير، يعني دون شك أن المواطن العادي هو الدافع الأول للضرائب، والتي ترتفع على حسابه نسبة ورقماً، وهذا ما يشعر به هؤلاء دائماً، فمن ارتفاع الضرائب على فواتير المياه والكهرباء، مروراً بضريبة الدخل وصولاً لضرائب العقارات، بينما نجد العجز واضحاً عن تحقيق اختراق في مجال الضرائب على الأرباح، إلا فيما ندر، خصوصاً أن هؤلاء الهاربين من قبضة وزارة المالية يصل تهربهم الضريبي إلى نحو 200 مليار ليرة سورية تقريباً، فلسنا ضد الضرائب كمورد أساسي ومستدام لخزينة الدولة، ولكن المشكلة هي في تحميل الشرائح الفقيرة والمتوسطة..

فللمدافعين عن التهرب الضريبي لكبار المكلفين من سداد مستحقاتهم بحجة ارتفاع حجم التكليف الضريبي، نقول لهم «خيطوا بغير مسلة»، فالدفاتر الثنائية لهؤلاء تفضحهم، إحداها حقيقية سرية لا يراها إلا معدها في الغرف المغلقة، والأخرى تقدم للمالية، ويتفنن محاسبوهم القانونيون في اختصارها، وجعلها تمارس أقسى أنواع «الريجيم» في 15 يوماً، وبكل ما سيتبع هذه الفاتورة المختصرة من مساومات تجري للتخفيض والتقليل من حجمها بالاتفاق من مدراء المالية في المحافظات، وعلى الرغم أن هذه الفاتورة الوهمية هي أقل من الحقيقية بثلاثة أو أربعة أضعاف!..

فالتحالف بين المكلفين المتهربين وموظف المالية، يوصلنا في المحصلة إلى أنهم لا يدفعون ضرائب مقطوعة تساوي شيئاً من حجم أعمالهم ومبيعاتهم، وهذا ما لا يمكن حله من الناحية الإدارية إلا بالفوترة الالكترونية، كحل جزئي ونسبي لفساد موظف المالية، مما يحرم الخزينة العامة للدولة من عشرات المليارات سنوياً جراء هذا التلاعب في الحسابات والأرباح. 

تصاعد ضريبي منخفض

التصاعد الضريبي هو الذي يحقق عدالة ضريبية أكبر، إلا أن هذا التصاعد لا يزال منخفضاً في سورية، فالضرائب المباشرة التي يجب أن تكون المورد الأساس للخزينة نجد أن مساهمتها في الإيرادات الضريبية قليلة نسبياً، وهذا ما أدى إلى تحميل المواطن أعباء ضرائب غير مباشرة أكثر من طاقته، ففاتورة الكهرباء مثلاً تثقل بالعديد من الضرائب التي تفوق حجم الاستهلاك الكهربائي الأساسي، وكل دول العالم تلجأ إلى التصاعد الضريبي، فكلما ازداد الدخل ارتفعت نسبة التكليف الضريبي، إلا في سورية، فإن ارتفاع الدخل يقابل بحجم غير قليل من التسهيلات والإعفاءات من الضرائب للبعض، والمضاف إلى تهربهم من دفع  الضرائب.. 

تهرب ضريبي بطعم الفساد

التهرب الضريبي يختلط برائحة وطعم الفساد، ويعد أحد منابعه لدينا، وهذا يدفعنا مجدداً للحديث عن الفساد وضرورة اجتثاثه لما يوفره من موارد، فالفساد يبتلع بالحد الأدنى 20% من الناتج المحلي لسورية، والبالغ 2700 مليار ليرة سورية، أي أن الفساد ينهب سنوياً من الناتج المحلي ما يقارب 540 مليار ليرة سورية، بينما تصل حصة هذا الفساد إلى نحو 1050 مليار ليرة، أي ما يعادل 40% من الناتج المحلي في الحد الأعلى...

 وفي كل الأحول سواءً اقتنع البعض بأن حصة الفساد بالحد الأدنى أو الأعلى، فإن هذا يعني أن قيمة الفاقد المالي الناتج عن الفساد ليس بالكتلة السهلة، خصوصاً إذا ما أكدنا على أن 80% من قيمة هذا الفساد (الفساد الكبير) لا يعاد ضخه في الناتج المحلي، لتفنن البعض في تهريبه للخارج، أو لجوء البعض للاكتناز، وهذا يعني خروجه من التداول السوقي في كل الأحوال، وبالتالي يؤدي لتراجع عدالة توزيع الثروة، وانحسارها بأيدي قلة من السوريين، وبالتالي تعد مهمة تجفيف نبع الفساد هذا من أولويات الحكومة الحالية، لأن ميزانية الفساد اليوم تضاهي إجمالي ما ترصده الدولة في ميزانيتها السنوية طوال السنوات السابقة..