نزار عادلة نزار عادلة

في البورصة ظهرت طفيلية جديدة القطاع الاقتصادي غير المنظم والصناعي غير المنظم قد يلتقيان

القطاع الاقتصادي غير المنظم يحتل 40 - 50% من كامل الإنتاج الاقتصادي السوري ويشكل العاملون فيه حوالي 50% من مجموع القوى العاملة، ويتوقع لهذه النسب أن ترتفع وبمعدلات سريعة خلال السنوات القادمة، أمام البطالة التي تتضاعف عاماً بعد عام.

سوق العمل

إن مفهوم سوق العمل قد يتشابه بمفهوم سوق السلع فيمثل جانباً لعرض القوى البشرية القادرة على العمل بينما يمثل جانب الطلب الجهات المحتاجة لهذه السلع أو اليد العاملة، وحين يتقابل العرض مع الطلب يجري تحديد الأجر ويمكن القول بأن سوق العمل يستخدم التعبير عن التفاعل أو التلاقي بين العرض والطلب على قوة العمل. وإن التعرف على خصائص سوق العمل يعتبر من الأهمية بمكان لمعرفة العرض المتاح من أولئك الذين يملكون القدرة والاستعداد والرغبة بالعمل سواء كانوا يعملون فعلا ً ويتطلعون لفرص أفضل، أو متعطلين يبحثون عن عمل وكانوا يعملون سابقاً، أو باحثين عن عمل لأول مرة، أي الداخلين الجدد لسوق العمل، أو كانوا في الأصل خارجين عن دائرة المشتغلين والمتعطلين.

تؤكد كل الدراسات على فتوة السكان في سورية حيث بلغت نسبة السكان الذين أعمارهم دون 15 سنة حوالي 48،5% وهذه النسبة تبين لنا الكمّ الكبير من اليد العاملة التي تدخل سوق العمل لأول مرّة. فكيف يمكن تحقيق الاستيعاب الكامل للزيادة في قوّة  العمل في أنشطة اقتصادية منتجة لدى القطاعات الثلاثة ، العام والخاصّ والمشترك؟ علماً أنه يدخل إلى سوق العمل سنوياً 250 ألف عاطل عن العمل وهذا يعكس حجم المشكلة وما تتطلبه من توظيفات في مشاريع التنمية لهذه الأعداد، علماً أن نسبة البطالة تقدّر بـ25% من حجم قوّة العمل، والتي تبلغ ستة ملايين عامل. 

تراجع الإنفاق

إن تراجع الإنفاق الاستثماري العام الذي شهدته موازنات الأعوام الماضية، أدى إلى الضغط على إمكانيات توليد فرص عمل في القطاع العام، بل انعدامها نهائياً، مع الحديث اليومي للحكومة السورية السابقة عن العمالة الفائضة. ومع تراجع الإنفاق الاستثماري نجد تراجعاً في النتائج التي حققها القطاع الخاصّ منذ صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 حيث أدى انسحاب الدولة التدريجي من الحياة الاقتصادية تاركة المجال للقطاع الخاصّ لردم الفجوة، إلى نتائج عكسية.

فشل القطاع الخاصّ في ردم الفجوة وارتفع معدل البطالة وانخفضت تنافسية المنتجات في القطاع الخاصّ، فسادت لدى القائمين على القطاع الخاصّ ثقافة البحث عن الربح السريع، دون الأخذ بعين الاعتبار البعد القانوني والاجتماعي، وبالرغم من القوانين والتشريعات التي أدت إلى إعادة تشكيل البيئة الاستثمارية السورية فقد بقيت الاستثمارات متواضعة ولم تستوعب استقطاب سوى 30% من حجم البطالة. انطلاقاً من هنا توسع وتضاعف القطاع الاقتصادي غير المنظم، وأخذت رؤية وزارة الصناعة السورية جانباً من هذا الاقتصاد، وأسمته القطاع الصناعي غير المنظم، وتقول الوزارة في رؤيتها خلال الخطة الخمسـية الحادية عشرة: «لابد من وضع خطة واتخاذ قرارات حكومية بحيث تنتقل هذه المنشآت غير النظامية إلى منشآت مرخصة نظامياً، ويمكن أن يتمّ ذلك عن طريق السماح لها بالترخيص مباشرة، مع إعطائها الترخيص الإداري خلال عام».

إنّ وجود مثل هذه المنشآت تعمل دون رقابة ومتابعة يؤدي إلى إساءة كبيرة إلى المنتج الصناعي السوري، كون هذه المنشآت تنتج منتجات بدون أية معايير أو مواصفات، وتُطرح في الأسواق لتنافس المنتجات الصناعية المرخصة من حيث السعر فقط، ولتسهيل هذه العملية نرى أنه لابدّ من تحديد مناطق صناعية سواء القائمة منها أو تحديد مناطق جديدة في عدّة أماكن في المحافظات التي لا توجد فيها مدن صناعية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه المدن الصناعية والمناطق يجب أن تكون تحت إشراف وزارة الصناعة ومشاركة حقيقية من الصناعيين المتواجدين في تلك المدن أو المناطق. 

تجاهل الوزارة

ضمن هذا المجال لا ترى الوزارة ضرورة لإقامة مدن صناعية جديدة كون المدن الصناعية الأربع الموجودة حالياً لم تكتمل وخاصة حسياء وديرالزور، فلابدّ إذاً من تفعيل عمل مديريات الصناعة وتقديم الدعم اللازم لها من الكوادر والآليات لتستطيع متابعة جميع المنشآت الصناعية بشكل دقيق ومتابعة المنشآت غير المرخصة.

طبعاً هناك فارق بين القطاع الصناعي غير المنظم والاقتصاد غير المنظم، ولكنهما يلتقيان، وقد تجاهلت وزارة الصناعة هذا اللقاء ولكن إذا كانت هناك سلبيات للاقتصاد غير المنظم فإنّ هناك إيجابيات أيضاً ومنها:

ـ تقديم السلع والخدمات بأسعار منخفضة.

ـ القدرة على تحقيق آثار توزيعية موجبة من خلال مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل.

ـ معالجة جزء من البطالة وخلق دخول إضافية.

ـ زيادة العرض الكليّ بإنتاج بعض السلع والخدمات التي تساعد في إشباع بعض الحاجات الاجتماعية.

التهرّب الضريبي يلعب دوراً هاماً في نموّ الاقتصاد غير المنظم بحيث أنه يمكن القول كلما زاد التهرّب الضريبي زاد حجم الاقتصاد غير المنظم والعكس صحيح. إذاً فمعالجة الاقتصاد غير المنظم الناتج عن ارتفاع مستوى التهرّب الضريبي، هو ضرورة العمل على تحقيق كفاءة النظام الضريبي. وتتم إعادة إصلاح النظام الضريبي بمراجعة أساس حساب الضريبة وهيكل الأسعار الضريبية والتصاعد الضريبي، ومراجعة أشكال وطرق الكشف عن مصادر الدخل وأساليب التحصيل، ومراعاة تبسيط الإجراءات والإقلال من الروتين والمستندات والأوراق المطلوبة للمراجعة الضريبية الخاصة بالتهرّب الضريبي بصفة خاصة للمشروعات الصغيرة، ففي سورية هناك غياب لتقدير حجم التهرّب الضريبي، والأرقام تقول بلغت 200 مليار ل س، ولكن ليكن بالعلم أنّ هذا التهرّب لم يأت  من الاقتصاد غير المنظم والمنشآت الصغيرة وإنما من المنشآت الاستثمارية الكبيرة، وهنا يجب البحث عن الفساد.

وفي الوقت نفسه تمّ تخفيض نسب الضرائب من 28% إلى 14%، إلى إعفاءات على الشركات المساهمة والاستثمارية، وعندما تطلب وزارة الصناعة من وزارة المالية إعفاءات ضريبية لمدة عام أو عامين يمكن جذب هذا القطاع إلى المدن الصناعية، أما بالنسبة للاقتصاد غير المنظم وهو ما لم تشرْ إليه وزارة الصناعة، فهو نشاط اقتصادي يمارَس بصورة غير رسمية، وفي الوقت ذاته قد يكون قانونياً أو غير قانوني  ونقصد بغير القانوني كالاشتغال بالمخدرات أو غيرها وأمثلة على الاقتصاد غير المنظم كثيرة ومتنوعة مثل بيع المواد الاستهلاكية بالطرقات، الأعمال المنزلية ومنها صناعة المأكولات المنزلية وبيعها بالأسواق الشعبية في كافة المحافظات والتي تبيع الخردوات والكهربائيات والمفروشات والأدوات المنزلية والسندوتش، وتعج هذه الأسواق بالناس من كل المستويات. 

موارد للفقراء

هنا نسأل الجهات الوصائية: «كيف نشأت هذه الأسواق في كافة المدن السورية؟» وقبل أن تجيب نقول: «إنّ المواطن بحاجة ماسة إلى هذه الأسواق بسبب التنوّع الكبير في السلع والبضائع، وإنّ باعة هذه الأسواق بحاجة إلى مورد رزق بسب البطالة الكبيرة، وإنّ اتخاذ أيّ إجراء ضد القطاع الصناعي غير المنظم والاقتصاد غير المنظم لن يصب إلا ّ في مصلحة كبار المستثمرين الذين يجلدون المواطن في مراكز التسوق الكبرى التي افتتحت في السنوات الأخيرة في دمشق والمدن السورية، ويعني أيضاً زيادة حجم البطالة وهذا يعكس بشكل واضح عجز الحكومة والاستثمارات في القطاع الخاصّ عن استيعاب نسبة ولو محدودة من قوّة العمل الداخلة سنوياً إلى سوق العمل، بالإضافة إلى البطالة المتراكمة من سنوات سابقة.

فئات جديدة ولدت في سورية في العقود السابقة وهي تثري باستمرار دون أن تبذل جهداً حقيقياً أو عملا ً منتجاً، إنها تمتهن البطالة، وهذا يعكس ظاهرة تسمى في أدبيات الاقتصاد السياسي انفصال رأس المال كملكية عن رأس المال كوظيفة، وسوق الأوراق المالية (البورصة) ساعدت على توسيع فئة (الريعيين) في المجتمع، وفي شكل الشركات المساهمة التي بشّرت بها وشجعت عليها الحكومة السابقة ظهرت طفيلية الرأسماليين بوضوح، فالمساهمون مجرّد ملاكين في حين تدار المؤسسة من جهاز مأجور، وقد أدى هذا الواقع إلى خلق رأس مال صوري لا يقابله أصول عينية، وقد أدى ذلك إلى التضخم وارتفاع الأسعار، وإلى أزمات معيشية يكتوي بها الشعب السوري.

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 21:35