إنه الرقم الكارثة... %20 من موازنة سورية لاستيراد المازوت فقط

لا بد من الوقوف عند مثل هذا ا الرقم الذي يشكل خطراً اقتصادياً واجتماعياً محدقاً بسورية في المستقبل القريب، فأن يذهب خمس الموازنة على استيراد مشتق نفطي واحد، في بلد منتج للنفط منذ 40 عاماً فهذا ما يجب الوقوف عنده كثيراً، والتساؤل عن أسباب عدم إمكانية هذا الاقتصاد على تموين نفسه من المازوت، وعن عدم وجود استراتيجية طاقة تقليدية، أو بديلة تخفف هذا العبء على موازنة الدولة، وتكون قادرة على توليد إيرادات بدلاً من استنزاف الإيرادات،  فقد أشار مدير عام شركة محروقات المهندس عبد الله الخطاب أنه في العام 2006 تم استهلاك حوالي 8 ملايين و900 ألف م3  من المازوت استوردت سورية منهم حوالي 50% وبقيمة تصل إلى حدود 2 مليار دولار أي ما يعادل 100 مليار ل.س.‏

واعترف خطاب بمشقة تأمين المازوت بالاستيراد من حيث وجود المادة في الأسواق العالمية، وتنفيذ برامج التوريد وتأمين السيولة بالليرة السورية لشراء القطع اللازم لفتح الاعتماد، فالصعوبة تنشأ برأي المدير العام من أن المادة مدعومة وتباع بسعر اجتماعي، حيث تصل تكاليف شراء اللتر المستورد إلى حوالي 30 ل.س في حين يباع ب7 ليرات س أي ب25% من القيمة العالمية. ومن خلال الخطة الموضوعة تتوقع الشركة استيراد 4,2 ملايين طن تصل قيمتها حوالي 136 مليار ل.س حسب أسعار الموازنة التقديرية لعام 2007 وسوف يتم استلام كمية 3,5 ملايين طن من مصافي القطر وتصل قيمتها إلى /111/ مليار ل.س. وبالتالي فإن قيمة المازوت الذي سوف تشتريه محروقات عام 2007 سوف تصل إلى 247 مليار تقريباً وسوف تباع الكمية بقيمة 65 مليار ل.س (اللتر ب 7 ل.س).

بالحساب الاقتصادي:

تدل الحسابات الاقتصادية على أن صافي عائدات الحكومة السورية من إيرادات النفط ( بعد دفع حصة الشركات الأجنبية ) يصل إلى حدود 2 مليار دولار سنويا إذا كان سعر برميل النفط 50 دولار وهذه الإيرادات مرشحة للتناقص مستقبلا بسبب الانخفاض المستمر في مستويات إنتاج النفط الحالي، والذي قد لا تعوض عنه الزيادة في الأسعار، وهنا نستنتج استنتاجاً غاية في البساطة ألا وهو أن عائدات النفط تكفي فقط لاستيراد المازوت فماذا عن استيراد باقي المشتقات النفطية الأخرى التي يحتاجها الاقتصاد؟ أو من أين ستمول سوريا كلفة مستوردات المشتقات النفطية الباقية بل وحتى من أين ستمول كلفة استيراد المازوت ذي الطلب المتزايد مستقبلا؟ وخاصة أن إنتاج النفط والطلب على المازوت يسيران باتجاهين متعاكسين تماما خلال السنوات العشرة القادمة.
الأهم من ذلك كله أن إيرادات النفط ستبقى محايدة بالنسبة إلى باقي قطاعات الاقتصاد الأخرى ومن الناحية النظرية والحسابية فإنها ستستنفذ لتمويل المشتقات النفطية فقط ولن يستفيد منها أي قطاع اقتصادي حيوي آخر، وبالتالي فهي ستبقى تلعب دورا ماليا وليس دورا اقتصاديا في الاقتصاد ومن ناحية نقدية فإن استيراد المازوت بهذه الكلفة وبهذه الكميات خاصة بعد انخفاض عائدات النفط المستقبلية سيضغط على ميزان المدفوعات بشكل كامل وسيتوجه القطع الأجنبي الناتج عن تصدير النفط إلى استيراد مشتقات النفط الأمر الذي يهدد بارتفاع سعر الصرف مستقبلا ويضغط على الليرة السورية باتجاه هبوط قيمتها خاصة أن الصادرات الصناعية والخدمية السورية هي في حدودها الدنيا وغير ذات فعالية في ميزان المدفوعات والدليل على ذلك أن 65% من موارد القطع الأجنبي في سوريا ناتج من تصدير النفط والـ35% الباقية ناتجة من عمليات تصدير كل القطاعات الاقتصادية الباقية.
النفط ناضب لا محالة والمشتقات النفطية محرك للاقتصاد وللحياة العامة والمشكلة الأساسية هي من أين ستمول سوريا مستورداتها النفطية من بعد عام 2010 أو بطريقة أخرى ما هي القطاعات الاقتصادية البديلة التي طورتها سوريا أو ستطورها لتجنب أزمة تمويل الطاقة من المشتقات النفطية؟ وكيف تتفق رؤية هيئة تخطيط الدولة في إحداث معدل نمو اقتصادي مرغوب قدره 7% (وهو يحتاج إلى معدلات هائلة من الطاقة) في ظل الوضع الطاقوي الحالي والمستقبلي لسوريا؟ وهل قدرت هيئة تخطيط الدولة كم تحتاج سوريا من الطاقة لإحداث ذلك المعدل وما هي تركيبة الطاقة تلك؟
هناك مشكلة اقتصادية واجتماعية حقيقية ستواجه الاقتصاد السوري، ولا حلول جذرية، أو إصلاحية لهذه المشكلة حتى الآن، كما أن بدائل الطاقة الطبيعية الأخرى كالغاز متوفرة جداً، وهي بحاجة لمن يستثمرها فقط، فالغاز بالنسبة لوضع الاقتصاد السوري هو البديل الأكثر جدوى من الناحية الاستثمارية كونه متوفراً بكميات كبيرة جداً، أي أنه استثمار بكر، فإلى متى سوف يحتمل الاقتصاد نفاذ موارده المالية، وموارده النفطية