الـ( B.O.T) أخذ المرافق العامة لحماً.. ورميها عظماً!

تتسلل عقود (B.O.T) من رحم دولة الاقتصاد المخطط لتعطي للقطاع الخاص دوراً متزايداً في صناعة القرار الاقتصادي عبر المشاركة بحصص متفاوتة في الاقتصاد الوطني، وفي التنفيذ تبرز المشكلات ويظهر الخلل، والذي قد يكون ذا منشأ تخطيطي بالأساس، فعقود B.O.T تمثل تفاوضاً بين مصلحتين، المستثمر من جهة، والدولة والاقتصاد من جهة أخرى، وهذا يدفعنا للتساؤل عن طبيعة المصالح التي تمت مراعاتها في هذه العقود سابقاً؟!

وهل تم تفصيل بعضها على قياس أشخاص المستثمرين «ومعزتهم»، دون إعطاء أي حساب للاقتصاد الوطني، مما أنتج غبناً وعدم إنصاف بحق الدولة والوطن، والهدف «السامي» هو تشجيع المستثمرين لاستنزاف الموارد العامة من أجل تحقيق أرباحهم؟!

أتاحت عقود B.O.T، للقطاع الخاص إنشاء مرافق اقتصادية عامة تتسم بالأهمية أحياناً، كالطرق، والمواصلات، والمطارات، والموانئ، والكهرباء، ومياه الشرب، والاتصالات، والتي كانت تديرها وتؤسسها الدولة في السابق بشكل حصري، ولا يسمح لأحد سواها بالإشراف والعمل في هذه القطاعات الحيوية، فتحديد المجالات ليس بالقضية الشكلية بالنسبة لدولة كسورية، لأنه يعبر عن انسحاب الدولة من دورها الرعائي الداعم للمواطن، مما يجعل من دخول «الخاص» تهديداً لكل هذه المكتسبات..

شكّل مطلع العقد الأخير أول الخطوات السورية باتجاه الاعتماد على عقود B.O.T، كإحدى الآليات المساهمة في إعطاء القطاع الخاص دوراً في الاقتصاد الوطني، فتوقيع عقد بين المؤسسة العامة للاتصالات في سورية وشركة «انفستكوم كلوبال» ليمتد لإنشاء نظام هاتف خلوي GSM تم على مبدأ B.O.T في العام 2001، كما نفذت وزارة النقل عدداً من المشروعات، كإنشاء أرصفة جديدة في مرفأ طرطوس واللاذقية، واستثمار أرصفة أخرى على مبدأ B.O.T، كذلك قامت محافظة دمشق في العام 2008 بإبرام عقد B.O.T مع شركة سورية القابضة لإنشاء مشروع متكامل في مركز المدينة، فهل طال هذه العقود المعمول بها في سورية غبن بما يخص مصلحة الدولة، أم أن التكافؤ والتساوي كان سيد الموقف؟! إن التجربة تؤكد أن هذه العقود أوقعت الغبن على الدولة، وعلى الشعب السوري بالمحصلة..

الأخطر في عقود BOT هو تفصيلها على قياس الأشخاص والمستثمرين بما يخدم مصالحهم دون مراعاة مصالح الاقتصاد الوطني، كإطالة مدة العقد لكي يستنزف المستثمر مشروعه حتى «آخر نقطة»، فما نفع مرفق عام بعد أربعين عاماً من تشغيله؟! وما هي طاقته الإنتاجية وحاجة الناس له بعد هذه السنين؟! وما هي الجدوى الاقتصادية بعد هذا الزمن إذا ما تحدثنا عن وصول بعض هذه المرافق لدرجة الإشباع وامتلاء الأسواق من خدماتها وقلة زبائنها؟! ففي هذه الحالة سيؤكل المرفق لحماً من جانب هؤلاء المستثمرين ليرمى عظماً..

عقلية «عفا الله عما مضى» لا تلبي الطموحات، وهذا يتطلب إعادة النظر بهذه العقود المجحفة بحق الوطن والاقتصاد بالدرجة الأولى، فتأمين مصالح المستثمرين على حساب الاقتصاد الوطني هو تجاوز، وإطالة مدة العقد مخالفة أيضاً، ونوعية المشروع قد يسبب خللاً، وأمام هذه التجاوزات غير قليلة، يتطلب وضع الرؤى والتصورات لتجاوزها في المستقبل، والبحث عن الآليات الكفيلة بالوصول إلى عقود تخدم الاقتصاد والتنمية بشكل أساسي.. 

ما هي عقود الـ«B.O.T»؟

عقود الـ«B.O.T» تعني البناء والتشغيل والتحويل، حيث تقوم الحكومة بمنح من يرغب في الاستثمار بمشاريع البنية التحتية أو المرافق العامة من الأفراد أو الشركات الخاصة فرصة إقامة المشروع، وتحمل المستثمر أعباء شراء وتزويد المشروع بالآلات والمعدات والتكنولوجيا المتقدمة، إلى جانب النفقات التشغيلية، وذلك مقابل حصول المستثمر على إيرادات تشغيل المشروع خلال فترة تعرف بفترة الامتياز تتراوح في العادة ما بين 20 إلى 50 عاماً، وقد تزيد على ذلك حسب نوع العقد والنشاط ..

آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2016 00:08