تجفيف 13% من منابع الفساد كفيل بتمويل قراري زيادة الرواتب وتخفيض سعر المازوت

زيادة الرواتب وكذلك تخفيض سعر المازوت بنسبة 25%، جاءا استجابة لمطالب شعبية طالما انتظرها السوريون، لما يتركانه من أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للسوريين عموماً، والذي لم يتلمس السوريون إلا جزءاً منه حتى الآن، إلا أن سهام النقد بدأت تصوب من جانب البعض مدعية عدم صوابية هذين القرارين، وخاصة ضمن أوساط الفريق الاقتصادي لحكومة العطري المقالة ومستشاريها الاقتصاديين، مبشرين بانهيار اقتصادي لعدم توفر الفوائض المالية الكفيلة بتغطية هذين القرارين، ومعتبرين أن لجوء الحكومة للاستدانة مؤقتاً من المصرف المركزي ما يقارب 50 مليار ليرة، وبالتالي اعتماد التمويل بالعجز، ما هو إلا خطوة على هذا الطريق. وفات هؤلاء البحث عن الموارد الخفية غير المُستغَلة التي نملكها، ولم يعبؤوا بالمردود الإيجابي لهذا القرار على المؤشر الكلي للاقتصاد السوري وقدرته على رد تكاليف هذين القرارين أضعافاً مضاعفة!..

 79 مليار ليرة للرواتب

نقطة الانطلاق والأساس ستكون من خلال حساب التكلفة الإجمالية للقرارين السابقين، فرفع الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام بمقداره 1500 ليرة سورية على الراتب الشهري، بالإضافة إلى زيادة بنحو 30 بالمئة لمن رواتبهم دون الـ10 آلاف ليرة، وزيادة قدرها 20 بالمئة لمن رواتبهم فوق الـ10 آلاف ليرة، أي أن وسطي الزيادة سيكون 25%، وهذا يعني أن كلفة زيادة الرواتب الأخيرة على خزينة الدولة تبلغ نحو 2 مليار ليرة سورية شهرياً بالنسبة لبند 1500 ل.س المقطوعة، وهذا يعني ما يقارب 24 مليار ليرة سورية سنوياً، على اعتبار أن القطاع العام يضم في مؤسساته وشركاته ما يقارب 1.35 مليون عامل..
وبالانتقال إلى البند الثاني من زيادة الرواتب الذي حدد 25% كوسطي لزيادة رواتب وأجور العاملين في القطاع العام، نصل إلى أن وسطي التكلفة الشهرية لهذه الزيادة على الخزينة العامة للدولة 4.5 مليار ليرة سورية، لأن الكتلة الإجمالية السنوية لرواتب وأجور العاملين في القطاع العام تصل لـ220 مليار ليرة سورية، وهذا يعني أن الكتلة الشهرية الإجمالية للرواتب لا تتعدى 18.3 مليار ليرة سورية، وهذا يعني أن التكلفة الإجمالية لزيادة الرواتب السنوية للعاملين في القطاع العام بنسبة 25% سيصل إلى 55 مليار ليرة سورية.. وبجمع هذين المؤشرين أو البندين لزيادة الرواتب نصل إلى أن 55 + 24 = 79 مليار ليرة سورية هي التكلفة الإجمالية السنوية لمرسوم زيادة الرواتب بجانبيها النسبة والمقطوع...

لنضبط قنوات الفساد..

وبالانتقال لقرار الحكومة الحالية خفض سعر المازوت بمقدار 25% (5 ليرات لليتر)، نصل إلى أن تكلفتها الإجمالية على الخزينة العامة للدولة تتجاوز 38 مليار ليرة، على اعتبار أن سورية تستهلك نحو 7.5 مليار ليتر من المازوت سنوياً، وبالصورة الإجمالية نصل إلى أن التكلفة السنوية لزيادة الرواتب وخفض سعر المازوت معاً لــ 79 + 38 = 117 مليار ليرة سورية سنوياً، فهل هذا الرقم كبير نسبياً؟! وهل تداعياته الايجابية تستدعي اتخاذه بغض النظر عن تكلفته المبدئية؟! وهل نمتلك موارد مالية مهدورة بقنوات الفساد يمكن ضبطها واستغلالها في تمويل مثل هذه القرارات، خاصة إذا ما علمنا أن ضبط 13% من قنوات الفساد في الاقتصاد الوطني يكفي لتمويل هذين القرارين، والذي يبتلع 30% من الناتج المحلي البالغ 900 مليار ليرة سورية!..
إن معالجة بند التهرب الضريبي للشركات والمنشآت الخاصة في سورية قادر على تغطية هذه الزيادة، وكذلك هو حال مكافحة الفساد الجمركي وتكلفة دخول مواد مهربة ومخالفة للقانون أو تغيير لمواصفات بعض المواد على الحدود لتخفيض حجم رسومها الجمركية، أو معالجة الفساد الذي يطغى على المناقصات، الداخلية منها والخارجية، التي تصل حصتها إلى 40% من حجم الفساد الإجمالي.
إذاً تأمين موارد مالية لدعم الاقتصاد أو تحسين المستوى المعاشي للسوريين ليس بالأمر المستحيل، فلنبحث عنها في قنوات الفساد الغزيرة التي تنخر جسد مؤسساتنا وقطاعاتنا الاقتصادية!..
 
لنرَ النتائج الإيجابية أيضاً

وبالعودة إلى المردود الإيجابي لقرار تخفيض سعر المازوت أو رفع الدعم، لا بد من تذكير البعض أن رفع أسعار المازوت مثلاً في العام 2008 أدى لتراجع الإنتاج الزراعي بالأسعار الثابتة بما يتراوح بين 4 – 8 مليار ليرة سورية مقارنة بالعام 2006، والذي يضاف إلى تراجع حصة الزراعة من ميزان الصادرات السوري بنسبة 7%، أي ما يعادل 50 مليار ليرة سورية لتحول جزء من الصادرات السورية إلى بند الاستيراد، كالقمح الذي استوردنا منه ما يقارب 2 مليون طن لثلاث سنوات على التوالي، وأدى ذلك إلى زيادة عجز الميزان التجاري من 31 مليار ليرة في العام 2006 إلى 105 مليار ليرة في عام 2007 ليصل إلى نحو 131 مليار ليرة في العام 2008، بينما تعدى هذا العجز في ميزاننا التجاري حاجز الـ226 مليار ليرة في العام 2009، وهذا يؤشر على سلسلة من التراجعات التي طالت ميزاننا التجاري المترافق مع تراجع الإنتاج الزراعي، حيث تشكل المنتجات الزراعية 20% منه، وهذا مؤشر واضح على النتائج السلبية المترتبة على ترجع إنتاجية القطاع الزراعي الإجمالية على مجمل الميزان التجاري والاقتصاد الوطني عموماً، فالقرار صائب والعلاج بالصدمات الاقتصادية ضروري حتى لو كانت تكلفته المبدئية كبيرة، إلا أن مردوده الاقتصادي الكلي إيجابي لا يمكن إنكاره بالتأكيد..