جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

برسم الفريق الاقتصادي.. (الدعم) والدلال للشركات الأجنبية.. والفاتورة على المواطن؟؟

من يسمع تصريحات الفريق الاقتصادي في الحكومة عن «مخاطر استمرار الدعم بالصورة التي هو عليها الآن، وضرورة إعادة توزيع هذا الدعم ليصل إلى مستحقيه الحقيقيين»، يظن أن لدينا حكومة مثالية، ليس لها نظير حتى في السويد، لا همّ لها إلا السعي الدؤوب من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الظروف المعاشية للفقراء. ومن يسمع ويشاهد نحيب رجالاتها وشخصياتها البارزة على المليارات «المهدورة» من الخزينة بسبب «الدعم العشوائي» يحسب أنه لا هدر بعد الآن ولا فساد، لأننا ظفرنا أخيراً بمسؤولين مخلصين ونزيهين وغيورين على مصلحة الوطن، يريدون إبقاء الخزينة العامة عامرة بالأموال من أجل بذلها وإنفاقها على المشاريع الاستثمارية وتحسين مستوى الخدمات الأساسية في البلاد...

لكن، وبكل أسف، من يقوم بنبش بعض التفاصيل المغفلة في بعض الملفات التي يبذل هؤلاء المسؤولون أنفسهم كلّ ما يستطيعون من جهد لإبقائها بعيدة عن متناول الناس ووسائل الإعلام، يكتشف رياء وزيف كل الادعاءات والخدع البصرية والسمعية التي تلجأ إليها الحكومة وفريقها الاقتصادي لإقناع الناس بالمشاريع والطروحات الجديدة، وبالتالي تسقط كل الحجج والذرائع التي يختبئون خلفها، وتظهر النوايا الحقيقية والأهداف البعيدة التي يخططون لبلوغها..
ولأن عامل الثقة مفقود تماماً بين الحكومة والناس، ونحن منهم، ولأنه لم يعد بإمكان الكلمات المعسولة والخطابات البليغة خداعنا، وبينما كان الفريق الاقتصادي يطرح خطته (الحصيفة) لرفع الدعم عن المشتقات النفطية، وخاصة عن المازوت، وبلهث لإقرارها، متباكياً على الأموال التي تخسرها الخزينة من جرّاء دعم هذه المادة، اكتشفنا عن طريق البحث والتقصي وبمساعدة أصدقائنا الشرفاء، وما أكثرهم، أن هذا الفريق نفسه وأقرانه التنفيذيين في المواقع الاقتصادية الحساسة، يقدمون هذه المادة لبعض الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط في سورية، بالسعر المدعوم، وبكميات هائلة، دون أن يأتوا على ذكر ذلك مطلقاً، وهم يندبون قلة الموارد وشح وتناقص احتياطنا النفطي!!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نقول إن شركة «دبلن» للنفط الحاصلة على امتياز تطوير حقول «تشرين، عودة، الشيخ منصور، الشيخ سليمان وغيرها»، يتجاوز استهلاكها الحالي من المازوت مليوني لتر شهرياً، ويّقدم لها هذا النهر المتدفق من المازوت كما يقدم للمواطن العادي، أي بـ 7 ل.س للتر الواحد، مع فارق بسيط أن هذه الشركة ليست مضطرة كالمواطنين لتشكيل طابور انتظار طويل للحصول على مخصصاتها، بكل ما في ذلك من هدر للوقت والكرامات!!
ونبين هنا أن هذه الشركة ما تزال في بداية استهلاكها وعملها في سورية، وكما ورد إلينا فإن حجم استهلاكها سوف يتجاوز خمسة ملايين لتر مازوت (مدعوم) شهرياً في وقت قريب!!
بالنسبة لنا، سنكتفي حالياً بعرض المسألة على هذا النحو، وسندع للاقتصاديين، في الحكومة وخارجها، حساب الفروق بين قيمة المازوت بالسعر المدعوم التي تحصل عليه مثل هذه الشركات، وهي شركات ربحية أخطبوطية تتكاثر أرباحها وعائداتها بشكل سرطاني، وبين ما يمكن أن تظفر به الخزينة فيما لو قام هؤلاء المسؤولون الأبرار بتقديم المازوت لها بالسعر الدولي الذي يريدون تطبيقه على المواطن السوري المهدود الحيل والدخل..
فهل يتكرم الفريق الاقتصادي ويخبرنا، لماذا لم يعترض على هذه المهزلة، بل هذه السرقة الموصوفة للمال العام، وهو الذي يشكو قلة الموارد؟ ولماذا يستقوي على المواطن المحتاج بشدة للدعم، متهماً إياه بأنه أصبح بمتطلباته واحتياجاته يشكل عبئاً ثقيلاً على الخزينة، بينما يغض النظر، ويسمح، ولن نقول يشارك، باستمرار هذا الاستنزاف المنظّم لمواردنا المنهوبة؟؟؟
يبقى أن نسأل: من المستفيد من هذه المراعاة الكبيرة للشركات الأجنبية؟ وما هو مقدار العمولة أو الإكرامية التي يجنيها نتيجة هذا الكرم الحاتمي؟ وأين تكدّس هذه العمولات المليارية التي لو جرى استعادة أجزاء بسيطة منها للخزينة، لرممت كل العجوزات التي تتحدث عنها الحكومة؟؟ وبناء عليه هل نستغرب بعد الآن سر تدافع الشركات النفطية الأجنبية للاستثمار في سورية؟ وهل أصبح واضحاً سبب الارتفاع الهائل، وغير المنطقي اقتصادياً، للقيمة السوقية لأية شركة بعد حصولها على امتيازات استثمارية في بلدنا التي ما برح الفاسدون والنهابون، داخل الحكومة وخارجها، يستنزفونها، ويسرقونها، ويتقاسمونها مع الخارج، ويبددون ثرواتها، ويحاولون دفعها إلى هاوية سحيقة؟؟.
هذه أولى حلقات «الكوارث النفطية» في بلدنا، وما سيلي سيكون أكثر كارثية بكل أسف، فما يجري في هذا القطاع أخطر من أن يتم السكوت أو التغاضي عنه.. وللحديث صلة.