د . سنان علي ديب محاضر في كلية الاقتصاد - جامعة تشرين د . سنان علي ديب محاضر في كلية الاقتصاد - جامعة تشرين

وصفات جاهزة أم محاكاة فكرية المهم أنها لم تناسب الخصوصيَّة السوريَّة

 يلاحظ المتابع في الشهرين الماضيين سجالاً حاداً بين طرفين متناقضين يتمثلان بأركان الفريق الاقتصادي وبين قوى ومؤسسات وطنية وباحثين وأكاديميين ومتحيزين ضد سياسات هذا الفريق وانعكاساتها السلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي على توازن واستقرار البلاد، حيث استمر أركان الفريق فترة طويلة بالعمل دون أن يُتهَموا بأي رأي، بينما كان الفريق الآخر يتكلم بالرقم وبالنتائج، واستخدم الفريق الاقتصادي بشكل مباشر من قبله أو من قبل أقلام تابعة عبارات كبيرة دون الاستناد إلى براهين تتكلم عن نهاية القطاع العام وانه السبب في التأخر الاقتصادي والمعاشي وأن التوجه الاشتراكي قد انتهى وبعبارات أثرها كبير على عامة الشعب.

وكان الفريق الاقتصادي يدافع بأنه يُتهم بأنه يعمل وفق إملاءات البنك وصندوق النقد الدولي وأنه يتعاون ولا ينفذ الإملاءات وهنا سوف نوضح الأهداف والمبادئ التي استندت عليها هاتان المؤسستان الدوليتان وإجراءات الفريق الاقتصادي، ونترك للقارئ العزيز الحكم على هذه الإجراءات؟؟

وقبل ذلك سوف نورد السرد الآتي لتبيان مرجعية هذه المؤسسات وهدفها،فقد بدأ طرح مشاريع إصلاحية من هذه المؤسسات للدول التي كانت تنتهج وتمارس الأفكار الاشتراكية أو يغلب عليها التوجه نحو القطاع العام، بعد أن فكر الاتحاد السوفيتي بإعادة التقييم وضرورة البناء وفق متطلبات العصر بما لا يهدم الأفكار السابقة ولكن على المدى الطويل ،فظهر إلى العلن مصطلح تضليلي يسمى بالعولمة هدفه المعلن إنساني وهدفه المخفي أمريكي صهيوني إمبريالي استيطاني، تريد أمريكا وأتباعها من خلال هذه الظاهرة الاحتلال والسيطرة والهيمنة الاقتصادية والثقافية والسياسية،وتهديم كل ما تبقى من إنجازات التوجه الاشتراكي لأنهم يخشون من الجذور الباقية للتوجه الاشتراكي أن تعود في النمو لتعرقل مشروعهم، وخاصة في السيطرة على الطاقة والطرق التي تمر عبرها وهنا خطأ كبير في القراءة الأمريكية لأنه لم يبق جذور فقط وإنما قواعد كبيرة هي الغالبة، خاصة على المستوى الشعبي، وكان أهم أدوات المشروع الامبريالي الأمريكي على المستوى الاقتصادي الشركات متعددة الجنسيات ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي يتجلى دورها في فرض وصفات جاهزة لدول كثيرة مختلفة البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق المنهج الليبرالي وتتجلى هذه الوصفات في حرية التجارة «دعه يعمل، دعه يمر» عبر عقد اتفاقيات جمركية تمنع الحماية بشكل شبه تام وتخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات إلى أقصى درجة ومكافحة دعم الصادرات على الرغم من أن الدول التي تعمل على فرض المشروع لا تمارس هذه الوصفات على اقتصادها، ويترافق ذلك بفرض رسوم وضرائب مباشرة وغير مباشرة كضريبة القيمة المضافة من أجل «كما ادعوا» سد عجز الموازنة، وكان الطلب الثالث هو سحب دعم الدولة لجميع المحاصيل والسلع التي تقدمها للمواطنين كنوع من التوازن الاجتماعي والرابع والأهم هو سحب الدولة متمثلة بالقطاع العام من قيادة المجتمع وتحويل هذه القيادة للقطاع الخاص والهدف المخفي لهذه المؤسسات هو تهديم البنية الداخلية للبلدان التي تماشي وصفاتها عن طريق زيادة الفقر والبطالة،ونشوء صراعات طبقية وصراعات مصالح واستمرارية تنفيذ سياساتها عن طريق طبقة رأسمالية تابعة ترتبط بالشركات المتعددة الجنسيات التي تلب دوراً موازياً لدور المؤسسات الأخرى وبالتالي فرض المنهج السياسي التي تريده وأخيرا خلق فوضى دائمة من أجل التهيئة لمشاريع قادمة أقسى من المشروع الحالي وهو ما عبر عنه بالشرق الأوسط الجديد، وكان لتنفيذ هذه السياسات نتائج سلبية كبيرة على الدول التي اتبعته كالأردن واليمن ومصر والجزائر من خلال زيادة البطالة والفقر وزيادة عجز الموازنات وزيادة الجرائم والتعصب وزيادة القروض الخارجية لزيادة الارتباط بالمشروع .

وهنا نطرح السؤال التالي: ما الإجراءات الاقتصادية التي استخدمت عندنا وما انعكاساتها؟

والرد بأنها أثقلت كاهل المواطنين بالضرائب والرسوم والتي تتحمل الشرائح الأفقر عبئها من دون مراعاة العدالة الاجتماعية، وأدت إلى تخفيض كبير على الرسوم الجمركية أثر على الموازنة،وإلى تخفيف الدعم تمهيداً لرفعه إن استطاع وهنا نذكر بأنه ليس عن المحروقات فقط بل عن المحاصيل الإستراتيجية مما أصبح يمس الأمن الغذائي الذي كنا ننعم به، حملة كبيرة ضد القطاع العام بدأت بحل بعض المؤسسات كمؤسسة الكرنك ثم بإغلاق بعض المؤسسات الغذائية مثل الكونسروة دون تجريب الحلول اللازمة، وبعد ذلك تأجير مؤسسات رابحة بتبريرات غير موضوعية، وتأخير قانون إصلاح القطاع العام، واتهام هذا القطاع بأنه سبب سوء الحالة المعيشية وسبب عجز الموازنة الكبير الذي زاد عن حده وبالتالي بقي الهدف الأكبر وهو السعي لإعطاء القطاع الخاص الدور الأكبر في السيطرة على القرار، وهنا نترك للقارئ الحكم ونقول: نحن السوريين مع أية سياسة تراعي بنية وتركيبة مجتمعنا وتحافظ على أمن وسلامة بلادنا ولم نتعود أن يملي أحد علينا ما يجب أن نعمل به، وأن استمرارية التنمية وتوازنها لن يتم إلا بمشاركة جميع المواطنين في القطاعين العام والخاص تحت قيادة وتوجيه الدولة فسورية لا تقوم إلا بـدعم الطرفين .