منظمة التجارة العالمية.. والأوهام الكبرى

تهدف منظمة التجارة العالمية فيما تهدف، إلى تحرير اقتصاد البلد المنضوي تحت عباءتها عبر إلغاء جميع الرسوم الجمركية فيه، وبالتالي ضرب خط الدفاع الأول عن اقتصاد البلدان الناشئة والصغيرة، غير القادرة على منافسة المنتج الأجنبي كمّاً ونوعاً.

وتعد قراراتها ملزمة للدول الأعضاء حتى في حال تعارضها مع القوانين الداخلية لهذه الدول، لذلك فهي منظمة فوق قومية. كما يمثل إدخال التعديلات على الدستور والقوانين شرطاً ضرورياً لقبول الدولة عضواً في هذه المنظمة، وأهم هذه التعديلات إلغاء الرسوم الجمركية.. وهذا الشرط لا يفرق بين دولة كبيرة ودولة صغيرة، وخير مثال على ذلك الصين، التي اُجبرت على إدخال تعديلات كبيرة على دستورها وقوانينها، على الرغم من كونها الاقتصاد الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المرجح أن تصل إلى المرتبة الأولى في عام 2020.

فإلغاء الرسوم الجمركية، هو حجر الزاوية الذي ترتكز إليه سياسات تحرير الاقتصاد، وقائمة مطالب المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها منظمة التجارة الحرة العالمية، على الرغم من الأهمية الاقتصادية لهذه الرسوم في حماية المنتج الوطني والصناعة الوطنية، خصوصاً بالنسبة للاقتصادات الناشئة أو الصغيرة، ونحن أبرز مثال لها، ودورها مورد أساسي في مختلف دول العالم، ويستعان به كممول لمشاريع التنمية أو لسد العجز الذي تقع فيه الموازنة العامة. فكيف يمكن تفسير رفض الرئيس الأمريكي أوليس غرانت بين عام 1869  -  1877 مبدأ حرية التجارة الذي اقترحته بريطانيا قائدة العالم في تلك الفترة؟ وقال في معرض رفضه: «خلال قرون عديدة استطاعت بريطانيا الاستفادة من نظام الحامية بحده الأقصى، ودون شك فإن قوتها الاقتصادية الحالية تعود أساساً إلى هذا النظام، وبعد قرنين من الزمن وجدت انكلترا أنه من المناسب تبني حرية التجارة، لأن نظام الحماية لم يعد يفيدها.. «فما أعرفه أنه عندما ستكون الولايات المتحدة قد أخذت كل ما يمكنها الحصول عليه من نظام الحماية ستتبنى هي أيضاً حرية التجارة».. هذا التصريح يؤكد بشكل قاطع أهمية الرسوم الجمركية في حياة أي اقتصاد، ومدى الضرر الذي يسببه تحرير التجارة على أي اقتصاد!! فكيف سنركض إلى منظمة التجارة ونحرر اقتصادنا ونفتح أمامه أعاصير المنافسة مع المنتج العالمي، إذا لم نكن قد مشينا بعد في أول خطوة في تطوير الصناعة أو الزراعة وتأهيل الاقتصاد الوطني؟

هذا يذكرنا بالمثل الهندي القائل: إذا أردت أن تركض يجب أن تتعلم المشي، ونذكرُه بعد استماعنا لتأكيد معاون وزير الاقتصاد خالد سلوطة «أن سورية باشرت بإعداد مذكرة سياسة التجارة الخارجية، تمهيداً للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية... على الرغم من أن الوصول إلى عضوية المنظمة يتطلب جهوداً مضنية»، وهو ما يناقض منطق الاقتصاد، ويخالف رأي معظم الأكاديميين الموضوعيين الذين يصرون على عدم وجود أية منفعة اقتصادية سيجنيها الاقتصاد والمواطن السوري من وراء الانضمام للمنظمة، فهذا إسماعيل ولد الشيخ أحمد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دمشق، يرى أن تحرير التجارة لن يضمن بحد ذاته نمواً اقتصادياً أعلى، أو انخفاضاً في معدل الفقر، فإذا لم يحقق هذا الانضمام أية منفعة ملموسة للمواطن السوري من تخفيف البطالة وتحقيق نسب نمو حقيقية لا وهمية، يكون لها منعكسات إيجابية على الاقتصاد، فما هي المصلحة الحقيقية من الانضمام في هذه الحالة؟؟

وهنا لابد من الإشارة إلى أن سورية حررت كامل تجارتها الخارجية، كما قامت بتحرير استيراد أكثر من 25 ألف سلعة ومادة، وأدخلت تغيرات عميقة على الأطر المؤسساتية، بما يتناسب مع مصالح المنظمة ودولها الكبرى.. فيا للوهم!!..

آخر تعديل على الثلاثاء, 30 آب/أغسطس 2016 22:52