هل تتصدى الحكومة فعلاً.. للمستوردين الستة الكبار؟!

هل تتصدى الحكومة فعلاً.. للمستوردين الستة الكبار؟!

تحوّل الحكومة اهتمامها نحو المستوردات لتنال الحصة الأكبر من القرارات والتصريحات، والتداول الإعلامي المحلي.. فمن التمويل بالدولار الذي أصبح محصوراً بالمصارف، إلى جملة من الإجراءات المرتبطة بإجازات الاستيراد، وصولاً إلى إلغاء مؤونة الاستيراد، والحديث عن إلغاء المستوردات الكمالية، وهلم جرّا.. إن فضائح احتكار الاستيراد تجعله الرقم واحد اليوم، ولكن ما جديد الحكومة بعد عدة قرارات..

أقر مجلس الوزراء بتاريخ 16/8/2016 (الآلية الجديدة) لمنح إجازات الاستيراد، وجديد الحكومة هو قديم سابقتها، فهو يهدف حسب ما يمكن قراءته من التصريحات، لمنع حصر الاستيراد بمستوردين بعينهم، وتأمين حاجات التنمية، ومستلزمات الإنتاج، والضرورات، وليس الكماليات، وهذه الأهداف تذكرنا بالتصريحات الكثيرة المتعلقة بمسألة ترشيد الاستيراد سابقاً.. إلا أن الجديد المزمع قد يكون في آلية منح الإجازات لا أكثر..

2,5 مليار دولار لـ 6 أشخاص!

ويأتي هذا كله بعد أن تم تسريب معلومات من وزارة الاقتصاد تتحدث عن حصر إجازات الاستيراد سابقاً بـ 6 مستوردين أساسيين، يقومون باستيراد ما نسبته 61% من المستوردات، أي عملياً ما يقارب 2,5 مليار دولار قيمة مستورداتهم، على اعتبار أن التقدير المعلن لمستوردات سورية في 2015 بلغت 4,2 مليار دولار.

وإضافة لهذا فإن اثنين فقط من هؤلاء الستة الكبار، يحصلون على الجزء الأعظم من تمويل المستوردات، أي من القطع الأجنبي بالسعر الرسمي المخفض عن السوق من مصرف سورية المركزي، والنسبة المتداولة هي 70% من حجم التمويل. 

وبالتقدير فإن التمويل الذي يشمل نسبة 20-30% من المستوردات، أي حوالي 1 مليار دولار، يعود منه 735 مليون دولار لاثنين من المستوردين الست الكبار..

وفي تقرير صادر عن المصرف المركزي في شهر 7-2016، تمت الإشارة إلى أن حجم القطع الأجنبي المباع مباشرة من المصرف المركزي بلغ في 2015: 1,2 مليار دولار، ليحصل اثنين فقط من المستوردين على 753 مليون دولار منهم!..

جديد الحكومة!

الحكومة هزت رأسها بالموافقة، عندما طرح العمال في مجلس اتحادهم هذه الأرقام أمامها، في إيحاء بأن (الحكومة الجديدة): تعلم هذه التجاوزات، وهي على دراية بها، وتستعد لإنهاء احتكار الاستيراد، كما قال رئيس الحكومة، وقد بدأت القرارات تتدفق، ويمكن مناقشة عدم الجدوى في بعض تفاصيلها..

أولها: إلغاء مؤونة الاستيراد، الذي يساجل فيه التجار الحكومة، بأنه قد حصر مسألة إجازة الاستيراد والتمويل، بكبار التجار الذين يملكون القدرة على وضع مبالغ مالية كبيرة تعادل قيمة مستورداتهم أو نسبة منها تبعاً للمادة، أثناء القيام بعملية المستوردات، وتسترد لاحقاً، ولكن التجار ذاتهم الذين حيوا الحكومة على إلغاء المؤونة علقوا، على إقرارها لاشتراط  آخر، وهو وجود عدد من العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية لدى المستورد، والذي برأيهم يعيد حصر التمويل بمستوردين محددين!..

أما ثانيها فهو: نقل تمويل المستوردات إلى المصارف الخاصة، عوضاً عن شركات ومكاتب الصرافة، والذي يزمع أنه سيحقق إمكانية أعلى لضبط (تمرير) إجازات الاستيراد الوهمية.. ولكن مما يظهر من الأرقام فإن المشكلة تكمن في الإجازات بحد ذاتها الصادرة عن وزارة الاقتصاد! والمشكلة السابقة كانت في أن المستوردين الممولين بالقطع الأجنبي لأغراض استيراد مواد ضرورية، لا يستوردون بالكميات ذاتها المسجلة، أو قد لا يستوردون بتاتاً، وبالتالي يستخدمون القطع الأجنبي لأغراض أخرى، وهذه المسألة ضبطها مرتبط بالمصرف المركزي والبيانات الجمركية، ويمر تدقيقها عبر المصارف، ولذلك فإن مراحل التدقيق في حقيقة الاستيراد من عدمه، ليست في الجهة المالية التي تقدم القطع، سواء كانت مصارف أم شركات صرافة، وإنما في الموضع الآخر، أي الحكومة عبر المركزي والجمارك، مع العلم أن تمريرها عبر المكاتب أسهل من تمريرها عبر المصارف.

المناورة في التفاصيل..

لا تزال السوق السورية بشكل عام مزودة بأنواع المستوردات كافة، ولذلك فإن الآلية الحكومية في (فلترة المستوردات) عبر الإجازات، لا تأخذ جدياً بعين الاعتبار مسألة الأولويات والضرورات، أو أن مجمل هذه البضائع الكمالية، أو التي يوجد بدائل محلية عنها، هي بضائع تدخل عبر التهريب، فمن المياه المعلبة الفرنسية، لبضائع الاستهلاك التركية، للأدوات الكهربائية والإلكترونية بأنواعها.. ومن لم يحصل على إجازة استيراد حكومية، أو على تمويل مستوردات، فهو قادر على إدخال بضاعته تهريباً وبأمواله الخاصة في الحسابات الخارجية.

وهذا الانفتاح الاستيرادي ليس خارج السياسة الحكومية، التي لا تكف عن التباهي بأن أحد أهم مؤشرات (نجاحها بإدارة الأزمة) هو توفر المواد وعدم انقطاعها. في سياسة تغض النظر عن أثر هذا على مستوى الأسعار، وبالتالي قيمة الليرة وقدرتها الشرائية، وبالتالي فقر السوريين وجوعهم، آخذين بمعيار وحيد، هو أن الوفرة تخفض السعر، متجاهلين، أن وفرة المواد بيد قلة، تسمح بالتحكم الاحتكاري في السعر وهو ما تشهده سورية.

فإن كانت عملية ضبط الاستيراد غير ممكنة من حيث النوع والمصدر، فإن العملية الممكنة فعلياً هي وقف الهامش الواسع لتمويل المستوردات، وضخ القطع الأجنبي للسوق البالغ 1,2 مليار دولار في عام واحد، والذي يعادل قرابة ربع الموازنة الحكومية في عام 2015، والبالغة 5 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي لنهاية عام 2015.

لأن تخصيص هذه المبالغ من القطع الأجنبي، لسوق الطلب على الدولار لأجل الاستيراد فعلاً، لا يمكن أن تفصلها عن استخدام الاستيراد للحصول على الدولار لأجل المضاربة. والتوسع بهذا التمويل عاماً بعد عام، هو تمويل وتحفيز لمجمل العمليات غير النظامية التي تشوب هذا القطاع، من توظيف آليات التمويل لصالح قلة قليلة لا تتعدى 6 أشخاص، مع ما يتضمنه هذا من دعم لأرباح استيرادهم الاحتكارية، مع استخدام البيانات الوهمية، وصولاً إلى استخدام قطع التمويل للمضاربة.. 

أياً كانت الإجراءات.. 

المليار يعود لعدة أشخاص!

بعد القرارات الحكومية كلها حول المستوردات، ينبغي القول بأنه إن كانت الحكومة جادة في التفكير بمسألة المستوردات وضبطها، ومنع الاحتكار، وتقليص الطلب على الدولار، ودعم الإنتاج المحلي، فعليها أن توقف المناورة في التفاصيل المتعلقة بالإجراءات.. 

فعندما تؤدي السياسة الاقتصادية إلى إيصال قرابة 735 مليون دولار، من القطع الأجنبي العائد للسوريين إلى شخصين فقط خلال سنة! فالمطلوب إعادة النظر بالسياسة بمجملها.

إن المشكلة لا تكمن في تمويل المستوردات عبر المصارف، أو الشركات، بل في حجم الاستيراد، وفي تمويل المستوردات بحد ذاته وفي طريقة استخدام احتياطي القطع الأجنبي، الذي يعادل ربع الموازنة الحكومية في 2015، هذا إن كانت الموازنة الحكومية تنفق فعلياً على أوجه إنفاقها الاستثمارية لدعم الإنتاج، أو الجارية لدعم استهلاك السوريين وإنفاقهم الاجتماعي.. إن سياسة تمويل المستوردات هي الضربة الأكبر لليرة السورية، رغم أنها العنوان الأول المزمع في سياسة حماية الليرة!.. فأكثر من مليار دولار تخصص في 2015 لسوق الطلب على القطع الأجنبي، وأكثر من نصفها يذهب لشخصين فقط، وجلها يذهب إلى 6 أشخاص يؤمنون حاجات السوريين الغذائية بالأسعار التي يفرضونها لغذاء السوريين، ولقيمة ليرتهم، ولمصير جوعهم وعملتهم الوطنية..