مرة أخرى.. الزراعة والأمن الغذائي منطقة الجزيرة نموذجاً..

تتراوح نسبة مساهمة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي في سورية بين 25  30%، ولكن هذه المساهمة باتت مهددة بشكل كبير في الآونة الأخيرة مع تفاقم التداعيات السلبية الكبيرة للسياسات الليبرالية على قطاع الزراعة.

وفي العموم، فإن أوضاع الزراعة تسير بخط نازل منذ أمد بعيد، فقد كان عدد القوى العاملة في الريف عام 1970 يقارب 1.77 مليون، فانخفض هذا العدد إلى 900 ألف حسب إحصائيات عام 2002. ومع ذلك مازال العاملون في الزراعة يشكلون 40% من قوة العمل السورية، ويبقى القطاع الزراعي هو أهم قطاع في سورية. وأثبتت الأزمة العميقة التي تعصف اليوم بالنظام الرأسمالي أن الدول التي تهمل زراعتها تهمل مستقبلها، ولذلك لابد من جعل الاهتمام بالزراعة من المهمات الأولى في الاقتصاد السوري بحيث نصل إلى زراعة حديثة متطورة، وهذا لن يتم إلا بزيادة مردود الأراضي وزيادة إنتاج الفلاح ودخله.

من المعروف أن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة هي علاقة جدلية، ولا يمكن الفصل بينهما، فالسياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد، لذلك فالإصلاح يجب أن يشمل الاقتصاد والسياسة في آن معاً، ولكن البعض يحاول بشكل مقصود تجاهل هذه العلاقة.. وهذا ما يفعله الفريق الاقتصادي بشكل متعمد، وينعكس هذا التجاهل سلباً على أغنى المناطق الزراعية في سورية.. والمقصود هنا الجزيرة السورية..

إن الجميع يعلمون الدور الأساسي لمساهمة منطقة الجزيرة في الزراعة وتأمين الأمن الغذائي الوطني، ولكن بعض المسؤولين، وبخلاف توجيهات القيادة السياسية، يهملون المنطقة، ويتخذون بعض القرارات الارتجالية التي تسيء إلى الزراعة بصورة متزايدة، وقد أشار الاتحاد العام للفلاحين أكثر من مرة إلى خطورة مثل هذه القرارات، وخاصة التعديلات الأخيرة بموجب قانون /56/، إلى قانون العلاقات الزراعية والذي شكل، ويشكل في حال الاستمرار في محاولات تطبيقه، الكثير من التوترات في ريف سورية، وهذا ما يحدث حالياً في بعض القرى في الجزيرة، ومنها قرية دير غصن. كما أن الكثير من الملاكين يستغلون هذا القرار لضرب الزراعة، وبالتالي ضرب الوحدة الوطنية.

إن المصلحة الوطنية العليا وتطوير الزراعة، يتطلبان إلغاء هذه التعديلات، وكذلك القيام بالتوزيع النهائي للأراضي، وإعطاء سندات تمليك للفلاحين أسوة بالمحافظات الأخرى، والإسراع في تنفيذ مشروع جر مياه الفرات إلى الخابور، والاهتمام بالبادية وعدم الاعتداء عليها من بعض المتنفذين، وأيضاً الاهتمام بالثروة الحيوانية وإعطاء قروض وأعلاف لمربي الثروة الحيوانية، وتأمين اللقاحات البيطرية مجاناً، وإيجاد فرص عمل لجيش العاطلين في المحافظة، والحد من الهجرة إلى خارج المنطقة والوطن، وذلك من خلال قيام الدولة بإنشاء المعامل والاستثمارات في عموم المنطقة الشرقية.

كما أن هذه المنطقة بحاجة إلى بعض الخدمات الضرورية، منها بناء مشفى للأورام الخبيثة وتأمين الأدوية والمعدات اللازمة في مشافي الدولة، والعمل على تشغيل مطار قامشلي الدولي، وإيصال القطار السريع إلى مدينة القامشلي، وتخصيص نسبة مئوية من واردات النفط لمحافظتي الحسكة ودير الزور، وتشديد الرقابة التموينية والإكثار من المؤسسات الاستهلاكية، وتأمين مياه الشرب للقرى العطشى وخاصة في جنوب الرد وجنوب شرق الحسكة، وزيادة الإعانات للعائلات الفقيرة بشكل عادل ودون تمييز، وضرورة تعديل المرسوم /49/ لعام 2008، والإسراع في إلغاء النتائج السلبية للإحصاء الاستثنائي لعام 1962 في محافظة الحسكة، وذلك تعزيزاً للوحدة الوطنية، ولتفويت الفرصة على كل المتربصين والمزاودين. إن العودة إلى تشكيل المجلس الزراعي الأعلى، والاهتمام بالمنظمات الجماهيرية والمهنية وخاصة الاتحاد العام لنقابات العمال والاتحاد العام للفلاحين، سيلعب دوراً هاماً إيجابياً في التطور اللاحق..

فيما مضى، كانت هناك مقولة يرددها الجميع في كل مناسبة، وهي أن توصيات العمال والفلاحين هي بمثابة قرارات ملزمة للحكومة وللجهات التنفيذية.. فهل باتت هذه المقولة برسم الماضي؟

■ عبد العزيز حسين

آخر تعديل على الثلاثاء, 02 آب/أغسطس 2016 13:43