وباء الخصخصة.. والحلول المؤقتة

الخصخصة هي أعرض عناوين الإصلاح الاقتصادي وأكثره تداولاً، وهي أقرب المصطلحات إلى قلب الحكومة وفريقها الاقتصادي في يومنا هذا،

ولكن مع ذلك يؤكد الواقع، ويرى العديد من الاقتصاديين الوطنيين في الخصخصة مجرد محاولة شكلية وبائسة لإخراج الحكومة السورية من مأزق فشلها خلال السنوات الطويلة الماضية في إجراء إصلاحات اقتصادية اجتماعية فاعلة تصب في مصلحة الفئات الاجتماعية العريضة، وذلك لاستشراء الفساد في  كل المفاصل التنفيذية بالدرجة الأولى، وبالتالي تحولها عن مكافحة هذا الوباء «مرض الاقتصاد الأساسي» بوضعها المشكلة الاقتصادية اليوم في مكان آخر، عبر تحميل آلية الدعم الحكومي المتبعة في السابق، والقطاع العام المخسر «الختيار» مسؤولية فشل السياسات المتبعة في الماضي، كما حمل النائب الاقتصادي «القدر» فشل الخطة الخمسية العاشرة في أداء مهامها، لأن السماء لم تنعم بالأمطار التي أرادها الدردري لإنجاح الخطة..! لكن الإجابة برأينا على المعادلة الأساسية في نقاش اليوم هي التي تحدد ماهية وضرورات عمليات الإصلاح الاقتصادي الجارية، فهل سياسة الخصخصة التي «يطبل» و«يزمر» لها اليوم هي انعكاس  لمتطلبات واقع اقتصادي يتطلب الإصلاح بالكيّ «الخصخصة» مع كل التطور الحالي في الطب ووسائل العلاج، أم أن هذه السياسة تأتي انطلاقا من الجو والتيار العالمي «الدارج» الذي يستسيغ ويطلب الولوج إلى سياسات الخصخصة، ويكون في هذا السياق انتقاماً من التأميم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، الذي اتبعته الكثير من الحكومات في العالم العربي والبلدان النامية، ووضعته في أولويات برامجها الاقتصادية؟!! 

خصخصة بالجملة، هي أبرز سمات السياسات الاقتصادية المتبعة اليوم، فلم يعد الهدف إزاحة عبء هذا القطاع الخاسر أو ذاك عن كاهل الدولة عبر خصخصته - رغم درايتنا بأن عملية إصلاحه ممكنة –، بل إن هناك خصخصة بالجملة للقطاعات الحكومية.. والغريب أن هذه السياسة لا تتبع عندنا – نحن الممانعين- وحسب، بل يتبع بشكل لافت للنظر والتساؤل في بلد حليف لنا، و(أرجلنا معه في الفلقة)، فها هي إيران تقرر خصخصة 524 شركة حكومية خلال السنة المالية الجديدة 2010، ومن بين تلك الشركات شركتا «سايبا» و«إيران خودرو» للسيارات، أملاً بجمع 12.5 مليار دولار من خصخصة مئات الشركات.

 وفي السعودية التي أدخلت الخصخصة والاستثمارات - الأجنبية في غالبها - إلى 25 قطاعاً اقتصادياً لديها، بما في ذلك قطاعي الصحة والتعليم، والعديد من قطاعات البنى التحتية تساهم الخصخصة في زيادة تبعيتها للرأسمال المعولم.

وبالعودة إلى سورية نشير إلى أن عدوى الخصخصة تتنقل بين قطاعاتها الاقتصادية بدءاً بالاتصالات مروراً بالتعليم والصحة والنقل البري والجوي وصولاً إلى أبي القطاعات الاقتصادية، حيث يجري الحديث اليوم عن استثمار أجنبي قادم إلى قطاع الطاقة والكهرباء. والسؤال الذي لا بد من طرحه أمام مشهد الخصخصة التراجيدي هذا، هل متطلبات الخصخصة وعمليات تشجيع الاستثمار اليوم تتجسد في ضرورة البحث عن موارد مالية تعجز هذه الحكومات عن تأمينها فعلاً– على «حد» قول هذه الحكومات–، في الوقت الذي يقول فيه لسان حال هذه الاقتصاديات غير ذلك؟ فالسعودية هي  أكبر دولة مصدرة للنفط في منظمة أوبك تليها إيران، وكذلك هو حال الاقتصاد السوري، حيث أكدت إحدى الدراسات أنه الأغنى بين اقتصاديات الدول العربية لتنوع موارده بما فيها النفطية، وخير دليل عليها اكتشافات بعثات وشركات التنقيب في كل يوم بحاراً جديدة من الذهب الأسود في أعماق أراضيه شرقاً وغرباً.. فما الذي يكرس هذا الوباء؟؟