د. حيان سلمان لقاسيون: موازنة 2010 متراجعة مقارنة بتطور الناتج الإجمالي

أقرت الموازنة العامة للعام 2010 في وقتها المحدد وفق المهلة الدستورية التي حددها الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية، على غير عادتها، وقد ارتفعت القيمة الإجمالية  لها من 685 مليار في العام 2009 إلى 754 مليار في العام 2010 بزيادة مقدارها 10% .
والحقيقة أن هناك تحفظات كبيرة على بنود هذه الموازنة التي تجاهلت زيادة الرواتب، وخفضت اعتمادات قطاعي الصحة والتعليم، وحافظت على أرقام عجز كبيرة رغم زوال مبررها، أما البنود الإيجابية فيها فتقييمها النهائي سيتم من خلال التنفيذ الذي يمكن أن يفقد الشيء الايجابي المقرر في الموازنة العامة حسناته المفترضة.

الموازنة الذراع الأساسي للدولة
لا شك أن المواطن السوري قد بدأ يتلمس تراجع دور الدولة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية، غير أن دور الدولة الاقتصادي يقاس أساساً من خلال المقارنة بين إجمالي الناتج المحلي والموازنة العامة، والتي تقدر نسبتها للعام 2010 بحدود 30%، وهي نسبة منخفضة مقارنة بدول أخرى: 48 % في ليبيا، 35 % في اليابان، 37 % في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبين شعور المواطن بالتراجع، والمعادلة الاقتصادية لحسابه كان لا بد من السؤال: هل الدور الاقتصادي للدولة في تراجع؟
في الإجابة على هذا السؤال البديهي، يؤكد الباحث الاقتصادي د. حيان السلمان أن «الموازنة أداة بيد الدولة للتدخل في الشؤون الاقتصادية الذي يعبر عنه بالعلاقة الكائنة بين حجم الموازنة والناتج المحلي الإجمالي، فموازنة العام 2010 ارتفعت بمقدار /69/ مليار ل.س مقارنة بموازنة عام 2009»، لكن القضية حسب د. حيان تكمن في توزيع الموازنة الاستثمارية (إنفاق جاري، واستثماري)، فـ«الإنفاق الجاري بلغت قيمته /427/ مليار ليرة سورية، بزيادة نسبتها 4 % عن العام 2009، مشكلة 57 % من إجمالي الموازنة العامة، أما الإنفاق الاستثماري فقد بلغ /327/ مليار ل.س بنسبة /43.4%/ من إجمالي الموازنة العامة بزيادة قدرها /52/ مليار ل.س عن عام 2009».
وأشار د. سلمان إلى أن الموازنة العامة للعام 2010 «تعتبر قليلة نسبياً إذا ما تمت مقارنتها بالناتج المحلي الإجمالي، ففي هولندا تبلغ /65 %/. فنحن الآن بأشد الحاجة لزيادة حجم الموازنة بشكل عام، والإنفاق الاستثماري بشكل خاص، وقطاعات الإنتاج المادية (زراعة، صناعة) بشكل أخص، لأن الموازنة هي الذراع الأساسي للدولة للتدخل في الحياة الاقتصادية لمواجهة أزمتين مرتبطتين بجوهر النظام الرأسمالي، الأزمة المالية العالمية، والأزمة الغذائية التي بدأت تتكون معالمها في الأفق الاقتصادي جراء انتقال العالم إلى تصنيع الوقود الحيوي.
 مضاعفة الرواتب قضية ملحة
نسبة الرواتب مقارنة بالناتج المحلي متدنية
من ينظر إلى الموازنة يلاحظ إغفال بند زيادة الرواتب والأجور، وهنا كان لا بد من السؤال: هل هذا الإغفال يعد تراجعاً عن تحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري المتراجع أساساً، أم أن هناك مشكلة عجز في الإيرادات أدت إلى إغفال قضية زيادة الرواتب؟
يرى د. حيان أن «زيادة الرواتب والأجور قضية ملحة جداً، لأنها تؤدي إلى تحريك الطلب الداخلي، وبالتالي تفعيل مواقع الإنتاج، وخاصة في ظل ما يشبه الركود الاقتصادي الذي تعيشه سورية، وقد يقول البعض إنها وصفة كينزية، ولكن برأينا هذه الوصفة هي وصفة تناسب الاقتصاد السوري حالياً، لذلك من الضرورة على الأقل، مضاعفة الرواتب وزيادتها بالتوازي مع زيادة إنتاجية العمل، كما أن هذه الزيادات تشكل أرضية لزيادة الموازنة الاستثمارية لعام 2010، وتؤدي إلى تقليل عجز الموازنة العامة».
ويضيف: إن «زيادة الرواتب لا تعد «تكلفة اجتماعية»، بل يجب أن ترتبط بشكل مباشر بزيادة الإنتاجية، فكلما ارتبطت معدلات الرواتب مع معدلات الإنتاجية يقل الخوف على الدورة الاقتصادية وعلى الخلل ما بين «الكتلة النقدية والكتلة السلعية، ولكنني لا أتفق مع دعاة الليبرالية الاقتصادية الذين يقولون إن زيادة الرواتب والأجور غير المترافقة مع زيادة الإنتاجية، ستؤدي إلى زيادة معدلات التضخم،  فنسبة الرواتب والأجور لا تزال متدنية مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل نسبة متواضعة من تكاليف السلع والخدمات، وإن مراكز التكلفة تتركز في جانب رأس المال على حساب عنصر العمل».

اعتبر د. حيان سلمان أنه «من الخطأ النظر إلى ضخامة النفقات دون البحث عن الجوانب الإيرادية، والتي يمكن زيادتها عبر إصلاحات متعددة أهمها:
- إدخال اقتصاد الظل في نسيج الاقتصاد الوطني، والذي يشكل حسب بعض الدراسات الاقتصادية /42 %/ من الناتج المحلي الإجمالي، فإذا اعتبرنا أن الناتج المحلي لعام 2010 هو بحدود /2400/ مليار ل.س، فهذا يعني أن اقتصاد الظل هو بحدود /1000/ مليار ل.س، وهذا يعني بدوره أن دخول اقتصاد الظل سيؤدي إلى زيادة تحصيل الإيرادات، سواء من خلال زيادة تحصيل الرسوم والضرائب وزيادة تفعيل الدورة الاقتصادية».
- مكافحة التهرب الضريبي في القطاعين الخاص والجمارك بشكل أساسي، حيث أن حجم التحصيل الجمركي لا يتناسب نهائياً مع قيمة التجارة الخارجية.
- إصلاح القطاع العام وبشكل خاص الصناعي، لأن إصلاحه سيؤدي إلى زيادة الفوائض الاقتصادية، وتحويل الشركات الخاسرة والمتوازنة إلى شركات رابحة.
- إعادة النظر بالإيرادات النفطية وخاصة مع الشركات التي تم توقيع عقود معها.
- ضرورة إعادة الاعتبار للدور الاجتماعي للموازنة».
 
الاعتبارات الاجتماعية
تبلغ حصة قطاع الصحة من الموازنة العامة حوالي 0,35 % فقط، بينما تقدر حصة قطاع التعليم 2,5%، وتبلغ حصة الفرد السوري في مجال الصحة من الموازنة العامة 113ليرة ، كما تبلغ حصة هذا الفرد 957 ليرة في مجال التعليم سنوياً، بينما حصة قطاعي التعليم والصحة في الدول الرأسمالية أعلى من ذلك بكثير، فهل هذا دليل آخر على تراجع دور الدولة الاجتماعي؟!
يجيب د. حيان سلمان «إن الاعتبار الاجتماعي يجب أن يأخذ الدور الأساسي والمحوري في أي موازنة تنموية، لذلك لابد من تعديل أو إعادة النظر بحصة الفرد سواء كان في الخدمات الصحية أم الخدمات التعليمية، لكي تكون مترافقة مع مقررات الخطة الخمسية العاشرة، ولاسيما أننا بصدد قضيتين اثنتين، بدأتا تنطلقان من قلب الليبرالية الاقتصادية وهما:
- انفجار الأزمة المالية العالمية في 16/9/2008، وما تبعه من سقوط تراجيدي لمؤسسات وبنوك عالمية تحولت إلى ما يشبه علب كرتونية فارغة.
 - دعوة قادة الغرب لإعادة النظر بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعدم ترك الأمور لقوى السوق المجسدة في العرض والطلب، والابتعاد عن الخصخصة، وبأن الدولة ليست دائماً «رب عمل فاشل»، بل إن نجاح أية مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية لا يتوقف على طبيعة الملكية، وإنما على كيفية إدارة المملوك، وهنا لا بد من التذكير بأن الرئيس بشار الأسد قال: (الخصخصة خط أحمر، والقطاع العام صمام الضمان الاجتماعي لا يجوز التخلي عنه، وإنما يجب الانطلاق من إصلاحه وإعادة الاعتبار له)».
 
الدعم لا يتحمل مسؤولية العجز
كانت الحكومة تقول إن ارتفاع العجز سببه الدعم المقدم للمواطن السوري، وفي مقدمته دعم المشتقات النفطية، وبعد أن بدأت ملامح الدعم بالزوال بعد رفع أسعار المحروقات في نيسان 2008، كان يجب أن يتراجع العجز، لكن أرقامه حافظت على ارتفاعها وتحليقها (/226/ مليار في العام 2009، /176/ مليار ليرة المقدر للعام 2010)، فهل من مبرر واقعي لأرقام العجز المعلنة؟ وما هي أسبابه رغم زوال مسببه الحكومي؟
يقول د. حيان إنه «لا يجوز تحميل مبالغ الدعم مسؤولية العجز في الموازنة العامة، لأن الدعم ارتفع نهائياًَ عن أغلب السلع، في الوقت الذي تدعم به كل دول العالم منتجاتها، ويجب علينا أن ندعم إنتاجنا، وبالدرجة الأولى الإنتاج الزراعي وقطاع التعليم.
وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن أكبر دول الداعمة لإنتاجها الزراعي هي دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعتبر مؤشراً عن التناقض الصارخ ما بين الإدعاءات النظرية والممارسة العملية. فالبقرة اليابانية الواحدة تدعم يومياً بحدود /18/ دولاراً، والولايات المتحدة بلغ دعمها لمربي الخنازير في عام 2007 بحدود /500/ مليون دولار، ولمنتجي فول الصويا /1300/ مليار دولار».
وأشار د. حيان إلى أن «الخلاف الأوربي الأمريكي حول دعم الإنتاج الزراعي هو الذي أوقف جولة منظمة التجارة العالمية في الدوحة القطرية، كما أن الكثير من الدول الأفريقية، وفي مقدمتها كينيا، قد فقدت زراعتها بالكامل من جراء عدم قدرتها على تقديم إنتاج زراعي ينافس الإنتاج الأوربي الأمريكي المدعوم، ولذلك يجب أن نلتزم موضوع الدعم، وهذا ما تؤكده كل الأدبيات الاقتصادية، فالدول الصناعية لن تتخلى عن دعم إنتاجها، بل إنها التفت بطرق شيطانية على ذلك، من خلال أحداث الصناديق الزرقاء والخضراء لتقديم الدعم وتفننت في تقديمه».
 
البطالة إلى أين؟!
الموازنة لا تستهدف سوى تأمين /60/ ألف فرصة عمل، والتي لا تتجاوز في أحسن حالاتها /20%/ من الداخلين الجدد إلى سوق العمل، إذا ما تذكرنا أن هناك بطالة تراكمية تقدر بـ 13%، ألن يؤدي ذلك إلى زيادة البطالة عملياً، إذا ما افترضنا تأمين فرص العمل المقررة أساساً؟!
يبيّن الباحث الاقتصادي د. حيان السلمان أن «البطالة آفة اجتماعية إضافة إلى كونها ضياعاً لأهم مورد اقتصادي، وهو العامل البشري، وتؤكد الدراسات الاقتصادية أنه يدخل إلى سوق العمل سنوياً بين /250 - 300/ ألف طالب عمل، لذلك إذا لم نؤمن فرص عمل لهؤلاء، فإنهم سيتحولون إلى بطالة تراكمية تضاف إلى معدل البطالة في السنوات السابقة، أو سيضطرون إلى مغادرة الوطن، وفي الحالتين يعتبر هذا خسارة وطنية كبيرة، ولذلك لإيجاد حلول لمشكلة البطالة لا بد من:
- الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الصناعي، لأن الاقتصاد الريعي بطبيعته مولد ضعيف لفرص العمل.
- زيادة التشابكات بين الزراعة والصناعة، خاصة وأننا ننتج الكثير من الموارد الزراعية (/5/ مليون طن قمح، /3.5/ طن خضار وفواكه، مليون طن قطن)، ولدينا ثروة حيوانية كبيرة، بحيث تكون مخرجات الزراعة مدخلات للصناعة ومخرجات الصناعة مدخلات للزراعة، عندئذ نستطيع أن نفعل التصنيع الزراعي، وبشكل خاص التصنيع الغذائي، ونعمق من مستوى «العناقيد الصناعية» الكفيلة بامتصاص البطالة، خاصة بعد أن تم إثبات أن كل دولار واحد من القطن المصدر خاماً يعطي قيمة مضافة بحدود /1200 %/ عند التصنيع، وهذا ينطبق أيضاً على المواد الخام الأخرى.
 - زيادة وتفعيل المشاريع الصغيرة المتوسطة والمتناهية الصفر.
- التنمية الريفية من خلال تحديد الخريطة الاستثمارية، لأن أي موقع اقتصادي في النهاية هو موقع اجتماعي، وينعكس على كل المؤشرات الاجتماعية».