الأسواق السورية بين الإغراق بالسلع المستوردة.. والركود د. فضلية: التنزيلات وابتكار أساليب جديدة لعرض السلع دليل على الركود

ركود.. وشبه شلل في حركة الأسواق، وجمود في حركة البيع، وكل ذلك يترافق مع إغراق سلعي مستورد على حساب المنتج الوطني.. هذه السمة الأساسية التي تتصف بها الأسواق السورية اليوم..

هذا الركود المقيم أنتج أساليب جديدة لمحاولة كسره، حيث يتم ابتكار أساليب جديدة للتسوق، واعتماد التنزيلات الكبيرة التي باتت تشهدها الأسواق باستمرار، وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الجهات الحكومية تحاول تخفيف حجم هذه المشكلة، أو نفيها من أساسها في أحيان أخرى، لكن الواقع والأسواق السورية ومؤشراتها تؤكدان عكس هذه التصريحات المدافعة المجافية للواقع والحقيقة. ثمة تنزيلات وصلت نسبتها إلى 70 بالمئة في أغلب المحال التجارية وفي أغنى مناطق دمشق وأفقرها على حد سواء، أي أن حالة الركود هي شبه عمومية،  تضاف إليها عروض تسويقية (اغرائية) ـ قطعة مجانية لكل من يشتري قطعتين، أو كل شيء بخمسمئة ليرة سورية، وذلك لإجبار حركة الأسواق الراكدة على الحراك ولو جزئياً، وهذه عروض ونسب لم تشهدها المحال التجارية في السنوات السابقة..

في هذا السياق يؤكد د. عابد فضلية نائب عميد كلية الاقتصاد وجود حالة ركود في الأسواق السورية، والتي تتمثل بخلل بين العرض الذي يفوق الطلب، ويستدل على ذلك بحسب د. فضلية  من خلال مؤشرات السوق، أوضاع الناس، والإحساس الشخصي لأغلب الناس، هذا بالإضافة إلى التنزيلات، وابتكار أساليب جديدة لعرض السلع، وهذا بحد ذاته دليل على الركود، خصوصاً وأن نسبة التنزيلات في الأسواق لدينا تزيد عن المتوسط (أكثر من 50%)، على الرغم من غياب الأرقام الدقيقة التي تقيس حجم هذا الركود.

ركود اقتصادي في الأسواق السورية، جملة يؤكدها التاجر والمواطن العادي وأغلب الاقتصاديين السوريين، لكن السؤال يبقى حول الأسباب الأساسية التي تقف وراء هذا الركود، لأن الحلول تأتي دائماً انطلاقاً من الأسباب المؤدية لهذه المشكلة أو تلك، وحول أسباب الركود الذي تعاني منه الأسواق يشير د. فضلية إلى أن هذا الركود نتيجة طبيعية للأزمة المالية العالمية، أما طول فترة بقائه فتختلف من دولة إلى أخرى، ويتجسد هذا الركود بضعف الطلب الناتج بدوره عن قلة النقود بين أيدي أغلبية المواطنين وضعف القوة الشرائية، وذلك نتيجة بطئ العجلة الإنتاجية لأسباب هيكلية وبنيوية عامة، فالركود بالنهاية ضعف الطلب.

وحول الحلول التي يجب على الحكومة القيام بها لتحريك الأسواق السورية وإخراجها من حالة الثبات الذي تعيشها اليوم، يتمنى د. فضلية على الجهات الحكومية تنفيذ سياسات وإجراءات عن شأنها تحريك العملية الإنتاجية والاستثمارية، وتحريك مؤشرات التشغيل نحو الأفضل، وإتاحة مزيد من دخول العاملين مما يحرك الطلب، وهذا يتطلب تعاوناً من قطاع الأعمال للتنشيط، لأن الوضع الاقتصادي يفرض نفسه، معتبراً في ختام حديثه أنه لا توجد وصفات جاهزة للتحريك.

إغراق أو سيطرة المنتج الأجنبي على السوق السورية أمام الضعف الهيكلي والحمائي الذي يعانيه منتجنا الوطني، هذا واقع تعانيه الأسواق السورية اليوم، فكما تعرضت شركات الغزل والنسيج المصرية (العامة أو الخاصة) في الماضي القريب لمنافسة المنتج السوري لرخص أسعاره، والذي أدى لإغراق الأسواق بالغزول السورية، مما أدى بدوره لتدهور واقع هذه الشركات، وتعرضها لخسائر فادحة، وإغلاق العديد منها لعجزها عن تشغيل مصانعها، فهذه العدوى انتقلت اليوم إلى المنتج الوطني، وأدت لإغلاق خمسين منشأة نسيجية حسب اعتراف وزير الصناعة ـ علماً أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك ـ وذلك لارتفاع أسعار إنتاج السلع السورية لغلاء أسعار مدخلات العملية الإنتاجية (المشتقات النفطية، أجور عمال)، والمترافقة مع إجراءات حكومية تزيد الطين بلة والمتمثلة بتحرير التجارة، والإعفاءات الجمركية لآلاف البضائع المستوردة، سواء على مستوى متطلبات الاتفاقيات العالمية، أو عبر الاتفاقيات الثنائية.

وحول هذه النقطة يرى د. فضلية أن الإغراق ـ الذي هو نتيجة لتحرير التجارة الخارجية ـ يعني طرح بضائع في السوق لغاية إخراج منافسين آخرين، وهدفه إخراج المنافسين الحاليين، وهذه موجودة جزئياً، لكن الأسواق تعاني اليوم من عرض في غياب الطلب.. مذكراً أن حالة السوق كانت أقل سوءاً، لكن جاءت عملية التحرير الحالية للأسواق والتجارة لتزيد الوضع سوءاً.

فالمتابع لحركة الأسواق في سورية يكتشف وبكل سهولة حالة الإغراق والغزو التي تتعرض لها سوقنا المحلية من السلع المستوردة، وهذا الإغراق لم ولن يتوقف عند مادة أو نوع محدد، لغياب الإجراءات الحكومية الرادعة لعملية الاستيراد أو المنظمة له، فوزارة التجارة والصناعة المصرية فرضت رسوم إغراق على الغزول السورية عندما غزت أسواقنا، ولكن وزارة التجارة لدينا مع كل هذا الإغراق تقدم المزيد من التخفيضات على الرسوم للمستوردين على اختلافهم، فالقطاع النسيجي كان أحد الخاسرين من هذا الإغراق، لكن الأسمدة تعاني هي الأخرى من  الإغراق، بعد تحرير استيراد الأسمدة، والسُماح للقطاع الخاص باستيرادها دون ضوابط أو مواصفات محددة، مما أدى لتراكم مخزون المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية، وسيؤدي ـ إذا ما استمر هذا الاستيراد ـ إلى توقف مصانع السماد العامة، كما أن السوق السورية تعاني اليوم من إغراق البضائع الصينية، حيث أغلقت عشرات من منشآت صناعة الملابس أبوابها وتوقف نحو 70% من مصانع النسيج عن العمل جراء تدفق البضائع الصينية المنافسة إلى الأسواق السورية. 

تصريح حكومي بتاريخ 31/5/2010 

الاقتصاد السوري لا يعاني من أزمة خانقة وركود حاد، وهذا الكلام غير صحيح ولم يعد مقبولاً، كما أن اقتصادنا محرر تدخله بضائع متنوعة ومنافسة، وهذا لا يمكن وصفه بالإغراق، وإن كانت البضائع المستوردة أرخص من بضائع تجارنا وصناعيينا فلأن قدرتها التنافسية أكبر، ونحن لا نقبل بتجارة ومنافسة غير شريفة.