إعداد وحوار: جهاد أسعد محمد إعداد وحوار: جهاد أسعد محمد

د. كمال حمدان لـ«قاسيون»: التغيير الجذري عربياً يحتاج إلى فهم عميق للاقتصادي – الاجتماعي

التقت قاسيون على هامش لقاء القوى اليسارية العربية الذي انعقد في بيروت في 22 و23/10/2010، الباحث الاقتصادي اللبناني د. كمال حمدان، وحاورته في علاقة الاقتصادي - الاجتماعي بالديمقراطي على المستوى العربي، وأهمية وعي قوى اليسار لهذه العلاقة..

• كيف يرى الباحث الاقتصادي د. كمال حمدان علاقة البعد المعرفي بالتغيير الاقتصادي -الاجتماعي والديمقراطي؟!

النخب العربية، ولاسيما اليسار العربي، بحاجة لإعادة التفكير في القواعد المعرفية والعلمية التي تتعلق بتحليل المجتمع العربي وبالتشكيلات الاقتصادية والسياسية الاجتماعية في هذا المجتمع في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم، والبنيات السياسية الاقتصادية الاجتماعية في زمن العولمة وعصر التكنولوجيا. هنا ثمة جهد يجب على المثقف العربي بذله لتحديد فهمه لمقولات أساسية كالطبقات، العلاقة بين الطبقات، أسس تشكل التحالفات الطبقية الهادفة إلى التغيير الاجتماعي في  مصلحة الناس... لأنه لا يمكن حصر أنفسنا بمفاهيم ثقافة الخمسينيات في عالم متغير بسرعة، وعلى التشكيلات السياسية اليسارية العربية أن تمعن النظر في محاولة إعادة تحليل هذه المفاهيم في كل بلد على حدة، وإلا سيبقى كلامنا عاماً، يطغى عليه الطابع الإيديولوجي الإيماني التلقيني البائس.

عموماً، ليس هناك عالم عربي ككل منسجم.. بل هناك عدة عوالم ، والمؤسسات الدولية التي تتعاطى بقضايا التنمية بكل أبعادها تقسم العالم العربي إلى ثلاث مجموعات، الأولى الغنية جداً بالموارد، ولكن ذات كثافة سكانية منخفضة كالخليج، والمجموعة الثانية التي تمتلك موارد وديمغرافية جيدة كالعراق والجزائر وسورية، والمجموعة الثالثة التي لا تمتلك موارد، ولكن تمتلك ديموغرافية قوية وينطبق النموذج الأخير على المغرب ومصر وتونس واليمن، فالخليج كان يستأثر في السبعينيات على ربع الناتج المحلي العربي، بينما حصته اليوم بين 5- 55% من هذا الناتج بفضل ارتفاع أسعار وحجم إنتاج النفط، على الرغم من أن ثقله الديمغرافي بين 8 -10% من إجمالي الوطن العربي، وبالتالي تضمحل الأوزان النوعية للقسم الثاني والثالث، وبالتالي فإن المجموعة الأولى هي قاطرة العالم العربي اقتصادياً، ولكنها الأكثر انكشافاً في علاقتها مع الكتل الاقتصادية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة، ولذلك فهي تستطيع استقطاب المجموعات العربية الأخرى. 

• ماذا يشكل اقتصاد العالم العربي مقارنة بالكتل العالمية؟

العالم العربي يسجل أعلى إنفاق عسكري كنسبة من الناتج الإجمالي، مع أن هذا الإنفاق على السلاح لا يستخدم حيث يجب أن يستخدم، فهو إما كاحتياط للكتل الدولية، أو لحماية إسرائيل، أو لتعطيل تغيير اجتماعي أو وطني، والاقتصاد العربي هو الاقتصاد الذي مقومات الريع فيه أقوى، أي له علاقة مباشرة بوجود النفط، وله علاقة بهذا النسق من وظائف الدولة التي تقتطع وتوزع، فكلما كانت هناك فئات طفيلية قوي مقوم الريع، كما أن حصة الصناعة العربية من الناتج المحلي هي الأدنى عالمياً، وحصة الصناعة المحفزة (النبيلة) كفرع من فروع الصناعة هي الأدنى عالمياً، كذلك فإن مؤشرات عدم المساواة في العالم العربي هي الأعلى عالمياً، وكذلك تعاني نظم الحماية الاجتماعية في العالم العربي من اختلالات في التأمينات الاجتماعية، والنمو يتم بسرعتين الأولى للقلة الميسورة وهي عالية، والثانية متدنية للغالبية الساحقة من الفقراء وما دون الشريحة الوسطى. كذلك فإن مؤشرات التعليم ونوعيته في العالم العربي نجدها تضعنا بين المراتب الأدنى عالمياً، هذه المؤشرات المتدنية تؤكد أنه عند أية محاولة للتغيير من جانب اليسار لم تعد ممكنة من خلال الشعارات العامة لحقبة الخمسينيات فقط، والقائمة على ثنائيات بسيطة وكلام عام ومفاهيم إيمانية، وكأنما منذور على اليسار استخدام هذا الخطاب العام، في حين أنه لن تقوم قائمة لليسار ما لم ينخرط في كل تفاصيل واقع المجتمع والتمايزات الطبقية وبنية الطبقات وأسس التحالف، فعلى قوى التغيير أن تنخرط في هذه المعارك «بلحمها ودمها»، وتحدد أولوياتها، وهذا الخطاب الخمسيني يغلب عليه الطابع الإيديولوجي الهادف إلى إرضاء النفس أكثر من قدرته على إجراء تغيير فعلي في الحياة. 

• كيف يمكن تحديد مراحل وآجال وأولويات التغيير المفترض؟

في المرحلة الأولى لا بد من تغيير وعي المجتمع عبر فهم ماهية العوامل المؤثرة فيه، وما هي التمايزات؟!  وأين يدور صراع المصالح؟! وكيف تتم عملية الاستغلال؟! ومن ثم محاولة تغيير تحديد الأولويات عبر تحديد موقع القوى، وتحت أية شعارات تكتيكية أو إستراتيجية يجب التحرك، وعبر أي تحالف اجتماعي لكي تستطيع قوى التغيير الانتقال إلى حيز الفعل.

اليسار يحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة، لأن خطابه يقوم على الثنائيات البسيطة، أو يستسهل الالتحاق بالأوضاع القائمة، أو ينطوي على نفسه مردداً المفاهيم الإيمانية، بينما المطلوب إحداث هزة، لكنها يجب أن تراعي مسألتين، أولاً أن تكون منفتحة على الشباب الذين يجب أن يشكلوا وقودها، المكونين والممتلكين للمعرفة، ومنخرطين بحركة تغيير هي بالأساس تهدف إلى تحقيق مصالحهم، والثانية إقرار أهمية المقاربة الأمنية.