السوريون يجبرون دائماً على تحمل التقصير الحكومي بحلقات فساد ناشئة..  «الاحتياط واجب».. مبدأ يفضح تبرير الأزمة بزيادة الاستهلاك

السوريون يجبرون دائماً على تحمل التقصير الحكومي بحلقات فساد ناشئة.. «الاحتياط واجب».. مبدأ يفضح تبرير الأزمة بزيادة الاستهلاك

رجعت أيام «الطابور»، كلمة بات السوريون أكثر تلمساً لها من أي وقت مضى، هذه الطوابير التي تخترق صمت الشوارع والحارات، لتترك خلفها ملايين السوريين الباحثين عن الدفء بكل أساليبه الممكنة علهم يجدونه، فـــ«اشتداد الطلب على مادة المازوت والغاز هو منشأ الأزمة» كما تقول الحكومة، وفي هذا القول جزء من الحقيقة،

ولكن الأهم: لمَ اشتداد هذا الطلب حالياً على مادة الغاز مثلاً؟! كما لا بد من التساؤل: لو وفّرت الحكومة مادة مازوت المدعوم في وقته المناسب على السوريين، هل كان سيحدث هكذا طلب متزايد على حوامل الطاقة الأخرى (غاز، كهرباء)؟! وألم يكن من الأجدى للحكومة توقع لجوء السوريين لمصادر الطاقة تلك مع دخول فصل الشتاء؟! وبالتالي، كان المفترض توقع زيادة الطلب عليهما، ومحاولة زيادة إنتاجهما قبل وقوع الأزمة على مبدأ «الاحتياط واجب»؟! إلا أن الوقائع التي بيّن أيدينا تؤكد أن الحكومة لم تقم بأي إجراء يستبق وقوع أزمة كهذه، بل انتظرت وقوعها، لتبدأ بعدها بالتبرير دون سواه لما يحدث من زيادة في الطلب على مصادر الطاقة بشكل أكبر مقارنة بالسنوات السابقة! متناسية عن قصد على ما يبدو أن «الوقاية خير من قنطار علاج»، وهذا يؤشر إلى أن الحكومة مجتمعة أو مختصرة بالوزير المعني (وزير النفط) هي أحد مفتعلي الأزمة الحالية على مشتقات الطاقة، إن لم نقل إن لها الدور الأساسي في إحداث الأزمة من الأساس!!..

تخزين.. ولكن لمن؟!

وزيرا النفط والكهرباء، ومن باب التبرير لا أكثر، ألقيا الأزمة في ملعب المواطن، عادّين إياه مسبب الأزمة، فحسب قولهما: «المازوت والغاز والكهرباء متوافرة، والنقص يعود إلى الخلل في التوزيع، وسعي البعض للتخزين غير المبرر، فاشتداد الطلب على مادة المازوت والغاز أكثر من الحاجة، وسعي البعض لتخزين كميات كبيرة إضافة إلى بعض حالات التهريب إلى خارج الحدود ساهمت مجتمعة في خلق أزمة طلب على هاتين المادتين».. ومن المنطقي سؤال الوزراء: إذا لم يكن من المنطقي توقع اشتداد الطلب في مثل هذه الأيام على مشتقات الطاقة -وزيادة مخصصاتها لمجابهة الزيادة في الطلب- فمتى ستحدث هذه الزيادة إذا؟! وإذا ما تحدثنا عن تفنيد ما يقوله وزير النفط عن سعي البعض للتخزين، فإننا نقول عن لسان كل السوريين، أغلب السوريين لم يحصلوا على ليتر واحد بصورة طبيعية من مادة المازوت بعد، والبعض الأخر لم يتعدّ ما وزِّع عليه من جانب الجهات المختصة الخمسين ليتراً للعائلة واحدة، والدفعة الثانية قد تمتد إلى ما بعد شهر أو أكثر، فأين التخزين في هذه الحالة؟! وعن أية شريحة من السوريين يتحدث الوزير؟! فهل نسبة القادرين على تخزين مادة المازوت - والذين لا يتجاوزون في أحسن الأحوال الـ %20 - يختزلون كامل الشعب السوري؟!

نحن موافقون على أن المشكلة في التخزين، ولكن من هم المخزنون أساساً، فالمشكلة تبتعد إلى احتكار مادة المازوت من حلقة هي أعلى من مواطن غير قادر على تخزين مادة المازوت، والقضية في ذمة أصحاب محطات الوقود القادرين فعلياً على احتكار المادة، إما لتوزيعها بسعر أعلى من سعرها الحقيقي في السوق، أو المساهمة في حجبها أملاً في تهريبها، وهذه الممارسات هي وحدها القادرة على إحداث أزمة كهذه..

حلقات توزيع فاسدة

حلقات وسيطة كلفتها الحكومة توزيع  دعم المازوت والغاز، وهي المخاتير، والفرق الحزبية، ومؤسسة سادكوب، وغيرها من الجهات المتصلة بعملية توزيع دعم المازوت، والتي تحولت دون سابق إنذار إلى حلقة جديدة من حلقات الفساد المزمن، وفي وقت قياسي، فهذه الحلقات التي لم يكن لها في الماضي القصير أي دور يذكر، ووجودها غير ذي فاعلية، عادت اليوم لتستعيد ألقها في استعباد السوريين وإذلالهم، والذين عادوا ليستذكروا «لحسة الإصبع»، ولتحضر مزاجية هذه الحلقات أحياناً، والمنفعة أحياناً أخرى أمام آلاف المنتظرين، فالحصول على ورقة دور للمازوت من أحد المخاتير، لا يجهز إلا بحضور الرشوة، وللدور هو الآخر رشوته الخاصة، وهذا بمجموعه يوصل سعر ليتر المازوت إلى 20 ليرة في بعض المناطق أحياناً، فهؤلاء السوريون يجبرون اليوم على تحمل عجز الحكومة وإهمالها بابتزاز جديد من تلك الحلقات الفاسدة التي اختبروها، وعانوا كثيراً من فسادها..

تواصل الأزمات

السوريون يعانون من أزمات مستمرة صيفاً أو شتاءً، فمن أزمة المازوت الذي وصل مبيع الليتر الواحد منه في بعض منافذ البيع إلى 20 ليرة سورية، ووصل سعر المازوت الاخضر إلى 24 ليرة بارتفاع ليرتين، بعد أن أُجبر السوريون على استخدامه للتدفئة أو في النقل أحياناً لدى السرافيس والسيارات، وذلك لتوفره بهدف تقليل معاناة وتوفير انتظارهم، مروراً بأزمة الغاز، حيث وصل سعر الاسطوانة الواحدة منها إلى 1000 ليرة في مدينة حمص وغيرها من المحافظات السورية، وصولاً لأزمة الكهرباء، والأسمنت، والنقل، فالازمات الاقتصادية في سورية لا تتوقف عن حدٍ مطلقاً، والتبريرات الحكومية جاهزة دائماً، إما التهريب الذي يشكل إدانة أكثر من كونه تبريراً لازمة اقتصادية، وصولاً لاتهام زيادة الاستهلاك الذي كان التقصير الحكومي سبباً في حدوثه ليس إلا..

تأخير

التأخير في توزيع دعم المازوت ليس بالجديد، بل اعتاد عليه السوريون، والأعوام السابقة شهدت التأخير غير المبرر ذاته، وهذا ليس ادعاءً، بل إن حجم الاستهلاك المنزلي من إجمالي استهلاك سورية من المازوت قليل، والمقدر بـ 7,5 مليار ليتر، فالمؤسسات الحكومية تستهلك %50 من إجمالي استهلاك المازوت، بينما لا تتعدى نسبة المستخدم منه لأغراض التدفئة %10 من إجمالي الاستهلاك، إلا أن الحكومة أكتفت بالحديث عن الدعم بالبطاقة الذكية، أو بالدعم النقدي، إلا أن الشتاء دخل البيوت، ولم يعد على الأبواب فقط، إلا أن الحكومة لم تبدأ بعد بتوزيع الدعم، ولا حتى بتحديد آلياته، والذي يزيد الأمور تعقيداً في هذه الأزمة هو صعوبة الحصول على بضعة ليترات من المازوت حتى ولو كانت بالسعر المعتمد في الأسواق، بل بات هذا الحصر الحالي لتوزيع المازوت أداة بيد البعض لاستغلالها في رفع سعر ليتر المازوت إلى 21 – 22 ليرة سورية لطالبها، وهذا ما زاد الأزمة سوءاً حتى ولو كان أحد أهدافها الحد من تهريب هذه المادة..

التأخير في إصدار آلية عمل البطاقة لاعتمادها يعد مشكلة كبرى، وقد يفقد هذه الطريقة فاعليتها مهما كانت مجدية أساساً، كما أنه من حقنا وضع علامات استفهام كبرى حول نجاعة الآلية الحالية في توزيع الدعم وإمكانية اختراقها، على اعتبارها أن بعض السوريين قد أدمنوا طرق الاحتيال على آليات الدعم، وتفننوا في اختراقها، والأهم من كل هذا، هو التساؤل: متى سيتم الإفراج عن دعم المازوت مع قدوم البرد الذي لا ينتظر التأخير والوعود الحكومية؟!..

تدفئة بديلة

غياب المازوت، سواءً بالسعر الحر أو المدعوم، ومع دخول فصل الشتاء، جعل السوريين أفضل الباحثين عن البدائل، فوزير الكهرباء السوري يقول بارتفاع الطلب على الطاقة في الأشهر التسعة من عام 2011، وبنسبة %4.3 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2010، وهذا الارتفاع المدعوم بالأرقام الرسمية، ما هو إلا دليل واضح على حلول الكهرباء كبديل أساسي في عملية التدفئة المنزلية في ظل غياب المازوت، وحديث الوزير ليس الدليل الوحيد على ذلك، بل إن العديد من أصحاب محلات بيع الأدوات الكهربائية، أكدوا زيادة مبيعاتهم هذه الفترة بنسبة لا تقل عن %50، وهذا تأكيد آخر على احتلال الكهرباء مكان المازوت في عملية التدفئة المنزلية، ولم تكن الكهرباء وحدها البديل فقط، بل لجأت أغلب الأسر وخصوصاً في المناطق الريفية إلى الاعتماد على الحطب كوسيلة للتدفئة أيضاً، ولكن هذا الارتفاع في استخدام الحطب لا يمكن حصره برقم إحصائي بالتأكيد، إلا أن المشاهدات المتعددة تشير إلى زيادة الاعتماد عليه في التدفئة، أو سواه من أشكال التدفئة البديلة التقليدية..

وللغاز نصيبه أيضاً كبديل أيضاً بسبب أزمة المازوت أولاً، والتأخير في اعتماد آلية الدعم ثانياً، وهذا ليس كلاماً إنشائياً، بل إن نسبة مبيعات اسطوانات الغاز ارتفعت إلى أكثر من        20 % هذه الفترة مقارنة مع عام 2010، والسبب يعود إلى ازدياد استخدام مدافئ الغاز كوسيلة للتدفئة مع قدوم فصل الشتاء.

آخر تعديل على الإثنين, 31 آذار/مارس 2014 12:43