لا حل حكومياً يلوح في الأفق لتجاوز أزمة الغاز التي أذلت السوريين!  تقصير رسمي يتلطى خلف حجج للتبرير فقط.. ورفض البدائل المتوفرة يثير الشكوك

لا حل حكومياً يلوح في الأفق لتجاوز أزمة الغاز التي أذلت السوريين! تقصير رسمي يتلطى خلف حجج للتبرير فقط.. ورفض البدائل المتوفرة يثير الشكوك

لا يملّ بعض الإعلام السوري من تكرار التبريرات الرسمية حول نشوء الأزمات التي يعانيها المواطن السوري، وهذا ما يمكن تقبله جزئياً لو أنه ترافق مع تساؤلات عن جوانب أخرى يمكن أن تكون مسبباً حقيقياً آخر في حدوث تلك الأزمات،

 إلا انهم يصرّون على إيصال ما يريد المسؤول قوله في تقاريرهم وتحقيقاتهم، ولسنا هنا بصدد الهجوم على هذا الإعلام الذي حرضنا للحديث مجدداً في أزمة قديمة متجددة ألا وهي أزمة الغاز التي شارفت على انهاء شهرها الأول، دون أن يجد السوريون أي افق للحل، فما هي أسباب تلك الأزمات؟! وهل من حلول تلوح في الأفق يمكن أن تعمل الحكومة على السعي نحوها؟! ولمَ التقصير الحكومي في التعامل مع حلول واقعية هي في متناول يدها؟!

«تلطي» مفضوح

في أزمة الغاز الأولى التي عاشها السوريون في السابق منذ عدة شهور، حمّلتها المصادر الرسمية إلى عمليات التخريب التي تجري على خطوط النفط والغاز، وصعوبة عملية نقل مادة الغاز إلى المحافظات السورية، أما في الأزمة الحالية، فإن خصمها في مكان آخر، وهو العقوبات الاقتصادية الأوروبية الامريكية التي أحدثت نقصاً في توفر مادة الغاز في الاسواق المحلية، وهنا لن نناقش عمليات التخريب ودورها في أحداث أزمة الغاز لأنها من مفرزات ومبررات أزمة سابقة، أما فيما يخص العقوبات الاقتصادية التي يتحدثون عنها، فإنه لا بد من القول لهم، إن التلطي خلف العقوبات يشكل إدانة لأصحاب القرار الاقتصادي أنفسهم أكثر من كونه عذراً يبتغيه من يريد، فالعقوبات ليست وليدة اليوم، بل إنه ومنذ 15 شهراً والعقوبات الأوروبية والأمريكية تتوالى على سورية، فلماذا حدثت أزمة الغاز الآن بفعل تلك العقوبات؟! فالمواطن والبلاد كان يمكن أن تتأثر بتلك العقوبات في بداية المقاطعة منذ عام تقريباً، بفعل عنصري المفاجأة، وعدم حدوث انعطاف فوري في العلاقات من الكتل الاقتصادية عالمياً في حينها، أما اليوم، فإنه يفترض بالإدارة الاقتصادية قد بحثت عن البدائل، وعقدت معها الصفقات، فلا يمكن أن يتقبل السوريون قولها بتأثير تلك العقوبات، لأن المنطق يفترض ما هو عكس ذلك..

مفارقة

في السوق السوداء تباع أسطوانة الغاز بما يتراوح بين 1500 – 2000 ليرة سورية، أي بما يتراوح بين أربعة إلى خمسة أضعاف سعرها الحقيقي، اي أن أصحاب الدخول المحدودة يدفعون سعر اسطوانة الغاز الواحدة بما يتراوح بين 10 – 15% من دخلهم الشهري، وهذا رقم يقابل متوسط إنفاق السوريين على الايجار الشهري، والمقدر بنحو 15% من متوسط إنفاق الشهري للسوريين، وذلك وفق تقسيمات سلة المستهلك السوري الصادرة عن وزارة الاقتصاد، فهل من المنطق أن تكون حصة شراء أسطوانة الغاز تعادل متوسط تكلفة الايجار الشهري الذي يدفعه السوريون؟! والسؤال الأهم الذي يجب طرحه، هو كيفية توفر مادة الغاز في السوق السوداء بأسعارها الرائجة وعدم توفرها في السعر الطبيعي من منافذ التوزيع، فمن أين يؤمن العاملون في السوق السوداء تلك الاعداد الكبيرة من أسطوانات الغاز؟! وهل هناك بعض المعتمدين المتنفذين الذين هم فوق القانون؟! والذين لا يوزعون إلا ربع أو نصف الكميات المخصصة لهم للمواطنين بالأسعار الرسمية، بينما يبيعون ما تبقى من «حصتهم» لمافيات السوق السوداء بأسعار مضاعفة تحت غطاء ورعاية بعض المتنفذين!.. وهذا يؤكد دون شك ان هناك افتعالاً متعمداً للازمات بما يخدم مصالح بعض المتنفذين وتجار الازمات ومفتعليها..

رفع السعر بنسبة 86 بالمئة

في البداية تم رفع سعر اسطوانة الغاز من 260 ليرة إلى 400 أي بنسبة 61.5%، أي أن كل كيلو غرام يباع بنحو 33 ليرة سورية، واليوم خفض وزن اسطوانة الغاز 2 كيلو، أي أنه جرى رفع سعرها عملياً بنحو 66 ليرة سورية، وبزيادة 25% عن سعرها الحقيقي، وهذا يعني، أنه جرى رفع سعر اسطوانة الغاز منذ بدء الازمة حتى الآن بنحو 86%..

تُفتعل الأزمات لرفع سعر اسطوانة الغاز، وهذا ما أثبتته التجربة، لكن الرفع الحالي لسعر أسطوانة الغاز لم يخفف وطأة الأزمة، ولم يوفّر المادة في الاسواق، وهذا ينذر بإجراء حكومي أخر برفع سعر أسطوانة الغاز، كما أن المفارقة التي لحظها السوريون اليوم، هي ارتفاع سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء بالنسبة ذاتها بالتزامن مع رفع أسعارها رسمياً، ففي الأزمة الأولى، كان سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء يتراوح بين 800 – 1000 ليرة، بينما سعرها اليوم فهو بين 1500 – 2000 ليرة، فما سر هذا التزامن في رفع السعر بين السوقين؟!

إبقاء الشراكة مع الأوروبيين!

الأهم من عامل الزمن، هو الحديث الخيار الآني - الاستراتيجي لتجاوز قضية العقوبات الأوروبية والأمريكية من جذورها، فلم نسمح لتلك العقوبات بالتأثير على الاقتصاد والمواطن معاً؟! فمادة الغاز لا يحتكر انتاجها وبيعها الاوروبيون والامريكيون، بل إن روسيا هي ثاني الدول عالمياً في انتاج الغاز، وفنزويلا وإيران من أكبر الدول المنتجة للغاز، وكذلك هو حال المشتقات النفطية الأخرى، فهل تفرض تلك الدول عقوبات على الاقتصاد السوري حتى لا نستبدلها بالأوروبيين؟! ولما لم يجر التوجه نحوها منذ أن بدأت العقوبات الاقتصادية على اقل تقدير؟! أم أنه كان من الصعب على أصحاب القرار الاقتصادي استشراف الأزمات القادمة في عجزهم عن تأمين حاجة السوق من الغاز والمازوت إذا ما أصروا على الخيار الأوروبي؟! فسلوك الادارة الاقتصادية في السنوات الطويلة الماضية، سعى لإقصاء الدول الشرقية في التعامل الاقتصادي، وتفضيل البديل الاوروبي عليهم رغم شروطه المجحفة بحق الاقتصاد والثروة الوطنية، والأمر لم يتوقف على ذلك، بل إنهم فضلوا التعامل مع قلة من التجار الاوروبيين في استيراد المشتقات النفطية بما يخدم مصالحهم ومنفعتهم الفردية، ليرسخوا الاحتكار حتى في التجارة مع الخارج وليس في السوق المحلية فقط، تمسك بعض المستفيدين في الادارة الاقتصادية بمنفعتهم على حساب السوريين، وهذا يدخل في سياق الاجراءات العاجلة التي يمكن من خلالها إلغاء حدوث هكذا ازمات..

الخيار الاستراتيجي

أما على المستوى الاستراتيجي، فكان من الاجدى سابقاً وحتى حالياً السعي للاستفادة من الغاز السوري الذي يجري تصديره خاماً، لأن طاقة المصافي الحالية لا تكرر سوى جزء بسيط من انتاج البلاد من الغاز، وهذا هو المشروع القديم الجديد الذي تجاهلته الادارة الاقتصادية طويلاً، لتبقي كل المخططات الدراسات حول تلك المشاريع الاستراتيجية المزمع عقدها مع عدد من الدول حبيسة الدروج المغلقة، وسيبقى هذا هو الخيار الاستراتيجي الذي تماطل لعدم تنفيذه الحكومات المتعاقبة..