الأزمة تفرض الأمر الواقع

الأزمة تفرض الأمر الواقع

المطالبة بالتسعير الإداري لم تأت في ظروف الأزمة فقط، فالارتفاع الكبير في مستوى الأسعار والفجوة الكبيرة بين الأجور وارتفاعات الأسعار كانت تتسع باستمرار،

إلا أن مراجعة عملية تحرير الأسعار وخروج الدولة من السوق لم تكن واردة في ظل هيمنة للأفكار الليبرالية على أصحاب القرار الاقتصادي- السياسي في سورية، وهذا لم يسمح بسماع الأصوات التي كانت تطالب بشكل جدي بأهمية استعادة دور الدولة، حيث كانت تبدو الأسعار في السوق مستقرة لتغطي الميل نحو الارتفاع بالوفرة في العرض.

ربح أقصى من فوضى الأزمة
مع انفجار الأزمة اهتز الاستقرار الوهمي، فالاضطراب سمح بزيادة كبيرة في عمليات الاحتكار وأدى إلى فوضى في السوق السورية بعد أن اهتز استقرار جميع العوامل التي تؤثر على الأسعار من الإنتاج المحلي إلى الاستيراد إلى سعر الصرف وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في مستويات الأسعار تلعب قوى الاحتكار دورا رئيسيا فيه، فكبار التجار يحتكرون البضاعة القليلة في مستودعاتهم لفرض معادلة جديدة للعرض والطلب على سلعة ما وهذا ما يسمح بتسعيرها بسعر أعلى، أو يحتكرون البضاعة بانتظار ارتفاع سعر صرف الدولار للبيع على أساسه، ويستفيد كبار تجار الجملة المتحكمين بتجارة الخضروات والفواكه المحلية على سبيل المثال من ظروف النقل المضطربة وارتفاع الكلف والتي لا تحدد الدولة هامشها بشكل دقيق ليزيدوا بناء على الظرف الطارئ هامش السعر مستفيدين من حالة الفوضى، وقلة العرض..
المقصود من هذه الأمثلة توضيح العلاقة القوية بين الفوضى التي تولدها الأزمة وبين الفوضى التي تولدها السوق حيث أن تحقيق أقصى ربح ممكن وهو هدف القائمين على السوق يزداد في ظروف الاضطراب ما يخلق ارتفاعاً في مستويات الأسعار وعدم قدرة على الضبط بكل الطرق الإدارية التقليدية أي المراقبة التموينية أو طلب الفواتير ويترك خياراً وحيداً أمام من يريد أن يخفف من «تمادي السوق» وهو مراجعة كل السياسة السعرية التي تعطي مفاتيح التسعير للسوق، ما يقتضي استعادة دور الدولة..