انخفاض سعر الصرف.. دفاعاً عن الشراكة المهددة

انخفاض سعر الصرف.. دفاعاً عن الشراكة المهددة

يهلل الجميع اليوم لارتفاع قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي وباقي العملات على أمل أنه الارتفاع الذي لا راد له.. وتسويقاً لفكرة أن مصرف سورية المركزي قام بالإجراء القاهر للدولار، وينتظر الجميع اليوم انخفاض أسعار مشترياتهم خاصة الآن في رمضان ومع اقتراب العيد وذلك على إثر انخفاض سعر صرف الدولار أمام الليرة،
ولكن هل سيحصل ذلك؟ وهل سيتخلى التجار عن ارتفاع أسعار بضائعهم؟ ولماذا كان لهذا الإجراء هذا التأثير، وهل هو دائم؟ علما أنه لا يختلف اختلافا جذرياً عن الإجراءات السابقة لمصرف سورية المركزي.. بداية القصة.. قام مصرف سورية المركزي خلال الأسبوع الفائت بضخ مبلغ يعد ضئيلا أمام المبالغ التي كان يضخها سابقا على ثلاث دفعات أولها يوم الأحد 14-7-2013 ثم الثلاثاء وآخرها الخميس من الأسبوع ذاته، الاختلاف الوحيد الذي يذكر في هذا السياق هو قيام المركزي بالضخ بالدولار الأمريكي بدلا من اليورو.. ولكن هل هذا الاختلاف كفيل بأن يخفض سعر الدولار من 320 للدولار الواحد إلى 180؟ طبعا لا.. الذي حصل هو أن قوى السوق السوداء رفعت سعر صرف الدولار سابقا طلبا منها للقطع الأجنبي من المركزي وقد استجاب المركزي لهذا الطلب عن طريق ضخه لمبالغ من الدولار الأمريكي بسعر أقل بكثير من سعره في السوق، حيث أن سعر الصرف الذي استقر على سعر بين 260-265 ل.س/$ قبل أسبوع من الانخفاض، بدأ يباع في شركات ومكاتب الصرافة بسعر 230 ل.س/$ خلال أقل من أسبوع وسط جو من الشائعات باستمرار الانخفاض الذي استمر وصولاً إلى حدود 180 ل.س/%.. دفعت هذه العملية حملة الدولار من المدخرين ببيع ما يحملون درءاً للخسارة المتوقعة من تراجع سعر صرف الدولار وتثبيتا لربحهم عند الحد المرتفع الذي تقدمه الأسواق والمهدد بمزيد من الانخفاض، شكل ضخ المركزي بالإضافة إلى بيع المدخرين لمدخراتهم عرضاً جيداً لكميات ضخمة من الدولار أدت لانخفاض سعره، وفق قاعدة العرض والطلب .. أو أبعد من ذلك.. لعبة العارفين بالسوق.. يعلم كبار التجار والمضاربين في كل مرة سيضخ فيها المركزي أنهم سيكونون الكاسب الأكبر من هذا الطرح حيث أنهم يشترون حاجتهم من القطع المطروح حيث تقوم شركات الصيرفة بتسريبه إليهم ببياناتها الوهمية لتمويل المستوردات والتي تقدم للمصرف المركزي جانيةً أرباحا خياليّة من فرق السعر بين السوق السوداء وسعر طرح المركزي.. وهذا ما جرت عليه العادة مع كل عملية ضخ إلا أن الفارق في عملية الضخ الأخيرة أن التجار لم تشتر قطعها من شركات ومكاتب الصرافة أي لم تشكل طلباً كالمعتاد على القطع، وذلك بناءً على وعد المركزي أنه سيستمر بالضخ وأن السعر سينخفض لاحقاً، استغلت شركات الصيرفة هذا النقص في الطلب لتبث إشاعة أن المصرف المركزي يقوم بما كان عليه القيام به منذ زمن وأن هذا الإجراء سيعيد المياه إلى مجاريها، وبأن سعر الصرف سيستمر بالانخفاض.. وكان المستهدف المباشر من هذه الإشاعة هو أصحاب المدخرات بالقطع الأجنبي ليقوموا ببيع ما لديهم، قلة الطلب من التجار مع ارتفاع العرض من المدخرين أدى بشركات الصيرفة لأن تقوم بتخفيض سعر الدولار مقابل الليرة علها تدرء بهذا التخفيض خسارتها مما حملته من المصرف المركزي بسعر بات الآن أعلى من سعر السوق.. إيقاف مدروس للطلب.. ينتظر التجار بفارغ الصبر اللحظة التي سيتوقف فيها العرض، حيث طالما يستمر تدفق الدولار من المركزي ومن أصحاب المدخرات الصغيرة فإن السعر سيستمر بالانخفاض، ومع اقتراب توقف التدفق فمن المتوقع أن يكون سعر القطع في هذه اللحظة عند أدنى مستوياته في السوق، ليقوم التجار وكبار المضاربين حينها ببدء طلبهم وليشتروا الدولار بسعر منخفض.. وتلك اللحظة التي سيقوم كبار التجار بالتدفق للشراء ستعود أسعار القطع للارتفاع من جديد مع عودة االطلب المتزايد الذي لا يمكن لمصرف سورية المركزي أن يقوم بتلبيته كاملاً عن طريق إجراءات الضخ التي يعمل بها منذ فترة لتعود دوامة الارتفاع من جديد.. يدلل على هذا الكلام أن التجار والمستوردين أحجموا عن بيع بضائعهم للزبائن بل إن بعضهم أغلق محلاته بحجة أنهم ينتظرون تسعير البضائع على سعر الدولار الجديد، ويثبت هذا الكلام أيضاً أن أياً من الأسعار لم ينخفض بنسبة انخفاض سعر القطع أمام الليرة السورية، إذا فهم ينتظرون اللحظة التي يمكنهم فيها الحصول على القطع الرخيص، وتشكيل الطلب الذي يعيد السعر للارتفاع.. وذلك بهدف عدم التنازل عن ارتفاع أسعار بضائعهم ليبقى المواطن عالقا في ارتفاع الأسعار وليبقوا هم القلة الكاسبين الأكبر القادرين على تحديد حركة الأسعار أياً تغير سعر الصرف.. طالما مضخة المركزي موجودة. الدفاع عن «المضخة المحركة» تخفيض سعر الصرف في السوق لا يمكن أن يتم إلا ضمن معادلة العرض والطلب على القطع الأجنبي وهو ما جرى.. ولكن هذه العملية مشوهة من جهة العرض والطلب وقابلة للتحكم والإدارة الواعية من أطراف هذه السوق التي يبدو أنها توافقت في هذه اللحظة على التخفيض.. فانخفاض سعر صرف الدولار هو نتيجة طبيعية لزيادة الضخ من المصرف المركزي في استكماله لسياسته المعتادة، والتي يقابلها عادة طلب مرتفع من التجار وقوى السوق على القطع.. إلا أن هؤلاء قد عمدوا إلى تخفيض سعر الصرف هذه المرة عندما لم يقبلوا على الشراء وذلك بالتنسيق مع المركزي الذي ضخ بشكل متتالٍ يخفض من سعر الصرف.. ليحقق المركزي سمعة حسنة لسياسة الضخ، ولينتظر التجار لحظة الانخفاض الأقصى للشراء، بينما تحصل شركات الصرافة والمكاتب وما وراءها من كبار السوق السوداء على كتلة كبيرة من القطع الأجنبي الذي جمعته السوق من مدخري القطع الذين سارعوا لتبديله بالسعر الحالي خوفاً من الانخفاض. الأسعار لم تنخفض مع انخفاض سعر الصرف وهو نتيجة طبيعية لان أصحاب السوق يعلمون بأن القطع عائد للارتفاع طالما أن مصدر القطع وهو المركزي وسياسة الضخ موجودة، بالإضافة إلى استمرار عمل آليات السوق الوسيطة المتمثلة بمكاتب وشركات الصرافة.. وانطلاقاً من هذا وذاك يجب أن تتغير السياسات النقدية التي تتيح الضخ العام للقطع في السوق أولاً والتي تسمح بزيادة حلقات تداوله وبالتالي ازدياد حركة المضاربة، وحصر عملية تداول القطع بطالبيه الحقيقيين وعارضيه الحقيقيين عن طريق الدولة كوسيط وحيد ومالك أساسي للقطع الاجنبي.. تقول السوق.. عن «الشراكة» الموبوءة السؤال المشروع ما دافع كبار قوى السوق على إيقاف الطلب في هذه المرحلة ولماذا اندفعوا لتخفيض سعر الصرف في الوقت الذي ضخ فيه المركزي.. ترتبط الأمور هنا بشكل أساسي بالدفاع عن سياسات ضخ القطع التي يهددها ضغط الواقع الاقتصادي المتدهور الذي لم يعد يسمح باستمرار مهزلة الهدر الفجة التي تديرها السلطات النقدية في سورية بانسجام وتكامل تام مع السوق السوداء وكبار المحتكرين السوريين.. تقول المعلومات من سوق الصرافة بإشارة إلى علاقة الشراكة الواضحة التي تجمع بين المركزي والصرافة.. بأن مصرف سورية المركزي منذ زمن طويل كان دوماً يتخذ له يداً في السوق تدير أموره غالبا ما يكون أحد الصيارفة أو بعضاً منهم وهذا ما شهدناه في الأزمة من خلال إجراءاته وتركيزه على بعض الشركات للقيام بالضخ عن طريقها تحقيقاً منه لمآرب كبار أصحاب الربح المحتكرين وبعض التجار وجامعي السلطة والمال على حساب الشعب.. لذا من الواضح أن قوى الفساد المستشرية داخل جهاز الدولة ستحول دون تفعيل إجراءات ستوقف شلال الثراء الذي فتح لهم ولشركائهم في السوق، أي ستمنع إيقاف سياسة الضخ والدفع نحو تقييد التداول والمتاجرة المطلوبة في هذه اللحظة..وهذا يفسر التوافق على تخفيض سعر الصرف في هذه اللحظة التي يتركز فيها الهجوم على سياسة البنك المركزي التي تمثل ما تمثله من مصالح كبار الفاسدين في سورية الذين يشكل انتقال القطع لهم هاجساً خلال هذه الفترة، قبل أن يتغير مستوى هيمنتهم على جهاز الدولة.. وهنا تبرز الحاجة لتضافر جهود الوطنيين داخل وخارج جهاز الدولة لطرد هؤلاء الناهبين من على سدة القرار الوطني والاقتصادي وتقليص هيمنتهم.