مكاتب الصرافة.. حلقة وسيطة بدور «مركزي»

مكاتب الصرافة.. حلقة وسيطة بدور «مركزي»

سعر صرف الدولار بين 197-200 ل.س في السوق السوداء.. فكما يظهر تتكرر مسيرة ارتفاع سعر الصرف، وفق موجة ارتفاع مضاربية احتكارية كالتي شهدتها السوق السورية خلال الأسبوعين الماضيين موصلة سعر صرف الدولار إلى 225 ل.س

ليعود إلى الانخفاض والاستقرار مؤقتاً بمستوى أعلى من المستوى السابق.. يبدو أن السوق السوداء قد استقرت مؤقتاً على سعر صرف قريب من 200 ل.س للدولار، بينما لا تزال السياسات الحكومية وإدارة المصرفي في المستوى نفسه المتردي لمواجهة تصعيد قوى السوق..
في محاولة للدخول إلى آليات العمل والظروف الموضوعية التي تساعد قوى سوق الصرف غير النظامية على التحكم، نتحدث اليوم عن شركات ومكاتب الصرافة.. التي بدأت عملها النظامي منذ عام 2006، تشير الوقائع والتحليل بأن هذه المكاتب التي يقتصر دورها على تسهيل تأمين القطع ومبادلته تلعب دوراً سلبياً خلال الأزمة الحالية يساعدها عليه سياسات غير مفهومة باعتماد المصرف المركزي المفرط على هذه المكاتب التي تعتبر من حيث المهمة حلقات وسيطة وخارج إطار قوى العرض والطلب على القطع الأجنبي في السوق السورية..

منذ صدور القانون 24 لعام 2006 الخاص بالترخيص لمؤسسات الصيرفة في سورية، والكثير من الأسئلة تحوم حول ماهية هذه الشركات والدور الذي ستلعبه ضمن ما يسمى (اقتصاد السوق الاجتماعي) وماهو حجم الحاجة الحقيقية لمكاتب تحويل مع مستوى التعامل المحصور بالقطع الأجنبي في السوق السورية، والمقتصر على التجار المستوردين بشكل أساسي.. سوق الصرافة التي كانت تعمل في ظروف منع التعامل بالقطع الاجنبي وتداوله بشكل غير نظامي، انتقلت عملياتها الأساسية نحو «الشرعنة» مع تغيير القوانين والسماح بتداول القطع.. لتأخذ شكل مكاتب وشركات الصرافة التي بدأت خلال الأزمة تحديداً تلعب دور الوسيط الأساسي بين احتياطي القطع الأجنبي الموجود بالمركزي وبين أصحاب الأعمال والرساميل.. ولكن ماهو الدور التفصيلي الذي تلعبه هذه الشركات في ظل الأزمة.

مكاتب الصرافة بوابة «تسليم» القطع الأجنبي لأصحاب الربح
نشرة أخرى تصدر عن مصرف سورية المركزي تدعى بنشرة التدخل الخاصة بشركات ومكاتب الصرافة والتي يبيع بها مصرف سورية المركزي القطع الأجنبي لشركات الصيرفة بأسعار أدنى من سعر السوق السوداء لهدف الأغراض الشخصيّة ولأهداف تمويل المستوردات حيث يختار المصرف المركزي بشكل انتقائي مكاتب صرافة ليقوم بضخ القطع الأجنبي من خلالها.. لتقوم هذه المؤسسات باستجرار القطع الأجنبي من المصرف المركزي وبيعه للمواطنين والتجار وعليها أن تقدم بيانات لتغطية البيع للمصرف المركزي، والذي يحصل حقيقة هو أن مؤسسات الصرافة تقوم بتسريب هذا القطع إلى التجار بسعر السوق السوداء وتغطية هذا التسريب ببيانات وهمية تقدم للمصرف المركزي، ويبدو أن المصرف المركزي على علم تام بهذا التسريب فالأرقام تقول إن ما يضخ أسبوعيا في السوق للأهداف المذكورة متقارب جدا مع الفارق بين ما يدخل البلاد من قطع أجنبي من المغتربين ومن مردودات الصاردات وبين ما تطلبه السوق الداخلية أسبوعيّا.. أي أن كميات القطع التي يضخها المركزي تتحول بأرقام متقاربة إلى السوق الداخلية.. ليقوم أصحاب الإيرادات المحلية بالليرة بتحويل إيراداتهم الكبرى إلى دولار، بحيث تقوم عمليات بيع ليرة واسعة في السوق غير النظامية مع نهاية كل أسبوع، ليقوم المركزي بضخ رقم متقارب في بداية الأسبوع الذي يليه..
تقدير الأرباح في أسبوع..
 إفقار خزينة المركزي يجري بتوافق غير معلن بين إدارة المصرف ومؤسسات الصرافة،والمستور هو أن مؤسسات الصيرفة اغتنت بما لا يقبله العقل من هذه السياسات المتبعة ولنفترض مثالاً واقعياً لنقدر حجم الأرباح..
بفرض أن ما يطرح أسبوعياًمن المركزي إلى شركات الصرافة وتبيعه الشركات بسعر السوق السوداء، يتراوح بين الثلاثة إلى خمسة ملايين دولار، ولنأخذ أربعة ملايينوسطياً بفارق عشر ليرات فقط بين سعر طرحها وسعر بيعها في السوق السوداء – مع العلم أن الفارق غالباً يكون أكبر بكثير ليصل إلى ثلاثين ليرة أحياناً– أي بربح يصل إلى أربعين مليون ليرة أسبوعياًعلى أقل تقدير يضاف إلى سعر المواد المستوردة ليُدفع في النهاية من جيب المواطن وليساهم أيضا  هذا الفارق في ارتفاع الدولار مقابل الليرة، ولكن كيف؟

عمليات إضافية على
عمليات البيع الأولى
على فرض ثبات الطلب على القطع الأجنبي أسبوعيا لهدف تمويل المستوردات مع انخفاض عرضه في السوق بسبب انخفاض قيمة الصاردات الناتج عن الأوضاع الأمنية وقلة المنتجات الصناعية والزراعية الصاردة، تعمل مؤسسات الصيرفة المرخصة وغير المرخصة كمحتكر للقطع الأجنبي بدور العارض وتقوم بزيادة سعره مع قبول التاجر المستورد بالسعر المعروض علماً منه أنه سيحمله للمشتري وبالنهاية سيتحمله المستهلك الأخير والذي هو المواطن، أيضا تقوم هذه المؤسسات بزيادة السعر لأغراض المضاربة وتحقيق أعلى ربح على حساب من يسعى لشراء القطع الأجنبي للادخار ولحفظ قيمة أمواله..
من اللانظامي .. إلى النظامي
شركات الصرافة إذا تلعب اليوم دوراً سلبياً وغير مبرر في نقل القطع الأجنبي من المصرف المركزي إلى السوق السوداء، وتحجيم دورها ضرورة تتطلب إيجاد وسائط بديلة أكثر قدرة على الضبط وأقل ارتباطاً بالأسوق غير النظامية.. حيث لا يخفى على أحد من العارفين بسوق الصرف النظامية وغير النظامية أن «ملوك» السوق السوداء سابقاً هم «ملوك» شرعيون اليوم مع محتكرين جدد من أصحاب الربح الكبير..

البدائل غير مفعّلة.. لتبقى الصرافة وحيدة في السوق

تتوسع الحاجة التجارية إلى القطع الأجنبي في لحظة الأزمة، بينما لا تتواجد أي نية بتسليم المؤسسات الحكومية الدور الوسيط، نتيجة عدم وجود نية بتنظيم عملية انتقال القطع الضروري إلى جهات الطلب التي تحتاجه بشكل فعلي..
هذه الثغرة أي غياب قرار تنظيم إدارة القطع الأجنبي وتحديد وصوله إلى السوق هي التي تشكل المبرر الموضوعي لدور شركات الصرافة والتي يتركز دورها في لحظة الأزمة بشرعنة انتقال القطع إلى السوق غير النظامية.. تتوفر لدى الحكومة بدائل وسيطة أخرى تستطيع أن تعتمد عليها في ضخ القطع وهي المصارف التجارية الخاصة والعامة، أو مصارف الدولة عموماً التي من الممكن أن تساهم في تقديم القطع للخدمات غير التجارية.
المصارف الخاصة ضبط أكثر..دورأقل
يضخ المركزي جزءاً من القطع عن طريق المصارف الخاصة حيث يصدر اليوم عن مصرف سورية المركزي أكثر من ثلاث نشرات للتسعير إحداها هي نشرة سعر التدخل التي يرد فيها سعر بيع القطع الأجنبي لمستوردي المواد المدعومة من مواد غذائية ومشتقات نفطية ومواد دوائية والتي تطرح عن طريق المصارف الخاصة ومن المفترض أن يستفيد كل من يعمل في هذه الحقول من هذه النشرة حتى يخفف على المواطن ارتفاع سعر القطع الأجنبي عند شرائه لهذه المواد، ولكن آليات عمل المصارف التي تلزم بإفصاح دقيق عن كميات الاستيراد وبالتالي الأرباح، تدفع إلى سلوك الطريق الملتوية المفتوحة من شركات الصرافة.. لتكون مساهمة المصارف الخاصة بتنظيم عملية تمويل المستوردات ضعيفة مع وجود البديل الذي يتيح الحصول على القطع مع عدم الإفصاح.. حيث لا يقوم التاجر على سبيل المثال بشراء القطع الأجنبي من المصرف لغرض إخفاء قيمة الأعمال وبالتالي قيمة الأرباح تهرباً من الضريبة في نهاية الدورة المحاسبية..
المصارف الحكومية
من الممكن أن يتم تفعيل المصارف الحكومية المهمشة فعليا كل حسب اختصاصه كأن يقوم المصرف التجاري السوري بالتدخل لأغراض تمويل المستوردات ومصرف التسليف الشعبي للأغراض الشخصيّة والزراعي لتمويل استيراد الأسمدة والمواد الزراعيّة والصناعي لتمويل المستوردات الصناعية..
ويقتصر دور مصارف الدولة على العمل بنشرة المصارف الخاصة لتمويل الأغراض غير التجارية، حيث يتاح للمصرف التجاري السوري بيع ألف يورو لكل مواطن سنوياً ضمن شروط تعجيزية بأن يقوم بإيداع قيمة ألفي يورو أحدها ثمن الألف والأخرى رهينة لدى التجاري السوري لمدة عام كامل دون فوائد، وهذه الصعوبات تلغي فعلياً هذا الدور، مقابل دور أساسي لشركات الصرافة ببيع القطع للأغراض غير التجارية بتسهيلات واسعة غير مبررة تعتبر إحدى الطرق الرئيسية لتحويل القطع إلى السوق السوداء..