رفع أسعار المشتقات أسوأ القرارات.. في أصعب الظروف!

رفع أسعار المشتقات أسوأ القرارات.. في أصعب الظروف!

بعد ما استفاق أصحاب القرار الاقتصادي في البلاد من صدمة الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح والتغيير في آذار 2013، تذكروا فجأة أن السياسات الليبرالية التي اتبعوها طوال عقد من الزمن تحت ستار «اقتصاد السوق الاجتماعي»، هي التي تقف وراء انطلاق هذا الحراك،

لأن تلك السياسات أفقرت شرائح واسعة من الشعب السوري، وهذا ما عبر عنه كثيرون في الأوساط الاقتصادية أيضاً، والتي دافعت عن تلك السياسات المتبعة خلال العقد المنصرم أيضاً، وفي حينها، قلنا«أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً»، إلا أن الاعتراف بالخطأ لم يدم طويلاً، لأن القرارات الاقتصادية اللاحقة سارت في التوجه الليبرالي، وخدمت المشروع السابق ذاته، حتى وإن اختلفت المبررات..

«صفقة دولية»
لم يستبعد مراقبون أن يكون تحرير أسعار المشتقات النفطية الجاري حالياً، والذي كان ولا يزال مطلب المؤسسات الاقتصادية الدولية، جزءاً من أجندة الحل السياسي الشامل على حساب إفقار أغلبية السوريين، فبينما ينظر قلة من المتابعين الاقتصاديين إلى رفع أسعار المشتقات النفطية على أنه جزء من مشروع متكامل لتحرير أسعار المشتقات النفطية، يرى كثرٌ أن القصة لا تتعدى كونها نقصاً في الموارد، وعلى الجميع تقبلها، «ومن تم ساكت»، فنقص الموارد يبيح كل المحظورات من وجهة نظر هؤلاء..
ولكن هنا نسأل: لو كانت القضية نقصاً في الموارد فقط، ألم يكن هناك من أساليب أخرى لتمويل الموازنة العامة؟! ففي زمن الاستقرار، تحدث أصحاب القرار الاقتصادي حينها عن تمويل الموازنة العامة بالعجز، أو عن طريق السندات، أو من خلال الاقتراض من الخارج، فلما لم نجد أحداً يتحدث عن هذه الطرق والأساليب البديلة عن رفع أسعار المشتقات النفطية لتمويل الموازنة العامة لعلها تنقذ أغلبية مسحوقة، ومحدودة الدخل، من السقوط أكثر في مستنقع الفقر، فنصف السوريين باتت اليوم بحاجة لمعونات غذائية بعد تراجع مداخيلها وارتفاع قيمة مصروفها الأساسي، ونحن قلنا منذ أسابيع بإمكانية تمويل الموازنة العامة من خلال فرض الضرائب على أصحاب الثروات الكبيرة، وعلى ناهبي الاقتصاد الوطني منهم بشكل أساسي ما دامت محاسبتهم غائبة، إلا أن أحداً لم يلتفت إلى مثل تلك الطروحات، واستمرت القرارات الحكومية الساعية إلى رفع أسعار المشتقات النفطية؟! وهذا يعزز الشكوك التي تقول بأن رفع أسعار المشتقات النفطية ما هو إلا جزء من «صفقة دولية»، لم يستطع أصحاب القرار الاقتصادي تمريرها في زمن الاستقرار، فمرروها تحت بند نقص الموارد في أيام الازمة!!..
 الوقوع في الخطيئة مرتين
وافق المنظرون الاقتصاديون في أيام الاستقرار على رفع أسعار المازوت إلى 25 ل.س لليتر في عام 2008 من حيث المبدأ، إلا أن بعضهم اعترض على الطريقة، ليجدوا أن رفع الأسعار بطريقة الصدمة هو إجراء سيئ، فالبديل هو رفع الأسعار بالتدريج، إلا أنهم دعموا الحكومة الحالية في قراراتها، ليكون اعترافهم السابق بالخطأ مؤقتاً، ومجرد «انسحاب تكتيكي» ما لبثوا أن عادوا إلى موقعهم السابق ليدعموا تلك القرارات، ويسوقوا لها..
فبعد قرابة ثلاث سنوات تقريباً، عادت الحكومة لتكرر الخطيئة ذاتها في الشكل والجوهر، عبر رفعها أسعار المشتقات النفطية، إلا أن قراراتها الحالية أتت في أسوأ الظروف، فماذا يمكن أن نسمي رفع سعر اسطوانة الغاز بنسبة 150%، أو رفع سعر ليتر المازوت على أربعة قرارات متلاحقة بنسبة 225%، وماذا يمكن أن نقول عن رفع سعر الفيول بنسبة 270%، أو البنزين بنسبة 60%؟! فالقرارات الحكومية الحالية ما هي إلا جزء من سيناريو تحرير أسعار المشتقات النفطية بالصدمة الذي تندّم البعض على إقراره أو تغطيته أو تسويقه في الماضي، ليعودوا إلى إقرار ما هو اسوأ منه بعد زمن قصير، وبما يُدخِلُ شرائح جديدة من السوريين يومياً إلى مستنقع الفقر، بعد أن بات أكثر من نصف السوريين بحاجة إلى مساعدات غذائية حالياً..