تجربة ولدت وعاشت في الأزمة..

تجربة ولدت وعاشت في الأزمة..

بقيت الوحدات الاقتصادية الصغيرة هي الطابع العام للاقتصاد السوري حتى اليوم، فالحرف والورش في الصناعات المحلية كانت الغالبة في الصناعة السورية لوقت قريب، أما الملكيات الزراعية الصغيرة وأعمال الزراعة وتربية الماشية فيغلب عليها حتى اليوم طابع العمل الأسري بمساحات صغيرة وعدد قليل من الماشية.


. على الرغم من موضوعية اتجاه هذا النوع من الوحدات نحو التدهور نتيجة انخفاض إنتاجيته مع زيادة التفتت ووجود الوحدات الكبيرة المنافسة، إلا أن تدهوره في سورية جاء متأخراً وسريعاً وناجماً عن عاملين ارتفاعات التكاليف الكبيرة الناجمة عن سياسات تحرير الأسعار الداخلية وتراجع الدعم الحكومي من جهة، ومن جهة ثانية لدخول البضائع المستوردة المنافسة الأقل تكلفة.. أدى هذا التدهور السريع إلى صدمات اقتصادية- اجتماعية كبيرة في الريف السوري الفلاحي، وفي الحرف الموجودة في المدن السورية.. لا تسمح لحظة الأزمة بتجاوز هذا النمط الاقتصادي نحو الوحدات الأكبر، وربما من غير المطلوب تجاوزه، بل قد تسمح بخلق تجارب للاستفادة من ميزات الطابع الريفي «التكافلي» لتجاوز صعوبات الأزمة بإيجاد طرق للتمويل والتصريف بالعتماد على المجتمعات المحلية، وهذه العملية لا يمكن أن تتم إلا بالتعاون مع جهاز الدولة وبضماناته ومساعداته، التي من المفترض أن تنطلق من ضرورة مساعدة هذه الوحدات على الاستمرار والإنتاج..
تجربة مشروع تطوير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة تتضمن مشروع التمويل الصغير وهي تجربة موضوعة سابقاً لكنها بدأت نشاطها التمويلي في الأزمة واستطاعت الاستمرار حتى اليوم.

صندوق التمويل الصغير.. قروض على مبدأ «الجمعيات»
مشروع تطوير الثروة الحيوانية الذي أطلق مؤخراً صندوق التمويل الصغير، خاطياً خطوة أولىمهمة رغم تأخرها ولكنها ليست كافية وحدها.. طريقة عمل الصندوق تشبه مبدأ «الجمعيات» التي يشترك فيها الأصدقاء أو الزملاء، بحيث يستلم المبلغ المتكون من مساهمة كل شخص في كل شهر، واحد من الأعضاء، وتبقى مستمرة حتى يستفيد منها الجميع بالقيمة نفسها.
الصندوق تجاوز العوائق الاجتماعية
(قاسيون) التقت مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة محمد أيمن دباللحديث عن صندوق التمويل الصغير، المشروع الذي يعتبر تجربة ناجحة في تأمين مشاريع مدرة للدخل للأسر الفقيرة في مجال الثروة الحيوانية، حيث قال إن «صندوق التمويل الصغير كجزء من مشروع تطوير الثروة الحيوانية، استطاع إيجاد الطريقة الأمثل للتعامل مع المساهمين متجاوزاً المشاكل الناتجة عن المعتقدات المتعلقة بالحلال والحرام، من خلال اعتماد النهج التشاركي والمرابحة لا على الفوائد».
وأوضح دبا أن «المستفيد لا يدفع أي فوائد، فقط نسبة 4% زيادة عن القرض، تعود على المساهمين، وخاصة رواتب من يتولى أمور الصندوق من متابعة ومحاسبة، الذين هم بالأساس من أهالي القرية ذاتها، حيث يوجد في كل قرية ستة أعضاء مسؤولين عن الصندوق».
الفقر الشديد شرط الاستفادة
وعن شروط الاستفادة من التمويل، شرح دبا أن «قاعدة البيانات تشكلت بالاستعانة بثلاث جهات المكتب المركزي للإحصاء ومكتب الإحصاء بوزارة الزراعة ومديرية الإرشاد، حيث استهدفت القرى التي يوجد فيها ثروة حيوانية، بعدها بدأنا بالبحث عن القرى التي تطابق شروطاً معينة مثل وجود 20 مربياً في القرية الواحدة، على أن يملك مربي الأبقار من رأسإلى 5 فقط، ونصف هكتار حد أقصىمن الأرض الزراعية على أن تكون مزروعة محاصيل وليس أشجاراً، كما يجب أن يكون منزله مبنياً من الأسمنت وما دون، أما مربي الأغنام فلا يجب أن يملك أكثر من 50 رأس غنم..»، مضيفاً إن «وزارة الزراعة لديها حيازات عن المربين في كل المناطق من أجل الأعلاف، فقمنا  بفرز القرى في كل محافظة على أن تكون 40 % منها ضمن خط البادية، ثم أرسلنا كوادر للتأكد من فقر القرية كاملة، وبهذا تم تأسيس  1260 قرية لاستهدافها بصناديق التمويل الصغير».
عمل ومردود مستمران
وحول هدف التمويل الصغير، قال المهندس أيمن إن «الصناديق ومشروع تطوير الثروة الحيوانية  يهدف لدعم دخل الأسرة الريفية الفقيرة التي تعمل  في مجال الثروة الحيوانية، من خلال زيادة إنتاجية الوحدة الحيوانية، ولتلافي المشاكل نؤمن له علفاً رخيصاً وأقنية تصريف الحليب أو الإنتاج عموماً».
وحول التسهيلات المقدمة المتعلقة بالأمور الفنية لنجاح المشاريع، قال مدير المشروع إن «بعض المشاريع قد تطلب دورات لتعليم مهن معينة أو آلات لإنشاء معمل صغير وخبراء، كما قد تحتاج الحيوانات للطبابة والرعاية وحتى أمور التكاثر وتأمين الذكور، كل هذه المواضيع يتولى المشروع توفيرها للمساهمين مجاناً، من خلال تداخل مشروع صندوق التمويل الصغير مع المشاريع الأخرى التي يتضمنها مشروع تطوير الثروة الحيوانية، فيتم تأمين الخبراء المحليين والأجانب، ودورات مجانية لتعليم صناعة الأجبان مثلاً أو تأمين ذكور محسنة لإناث الأغنام، والرعاية للمشروع كاملاً، فالمشروع يقدم دعم للأسر الفقيرة لإنشاء مشروع مدر للدخل، ونقدم لهم حيوانات محسنة من مراكز البحوث بأسعار أقل من السوق كمساعدة غير مباشرة، ونشرف عليها لتبدأ الإنتاج ونساعده بإيجاد أقنية تصريف للإنتاج».
التسديد مستمر 99%
أما عن تأثير الأزمة والأحداث على تسديد القروض مع النزوح السكاني، بيّن دبا أن « تأثير الأزمة على سير المشروع لا يتجاوز 10%، فرغم عدم تطلب القرض وجود كفيل للمستفيد، إلا أن العادات والتقاليد السائدة في المناطق الريفية أوجدت ضماناً اجتماعياً لتسديد القروض، حيث يقوم أهالي القرية بمتابعة بعضهم حفاظاً على المبالغ التي دفعوها بأنفسهم ويستفيدون منها جميعاً، ويتولون موضوع التواصل مع أي مستفيد غادر القرية لأي سبب كان للتأكد من استمراره بتسديد ما عليه، كما قام بعض الأشخاص بتسديد ما على أقربائهم خوفاً على سمعة العائلة، علماً أن نسبة تسديد القروض تصل إلى 99%».
قروض دون فوائد وكفلاء
ولفت دبا إلى أن «صندوق التمويل الصغير يختلف عن مشاريع التمويل الأخرى التي تعتمد الإقراض المصرفي وتشترط كفلاء ونظم تسديد معقدة، فصندوق التمويل الصغير يعتمد على نواة نقدية تتشكل من مساهمات الأهالي أنفسهم وفي نهاية المطاف تسترد الحكومة المبالغ التي قدمتها والتي تبلغ خلال مدة المشروع كاملاً أي خلال 8سنوات (175 مليون ل.س)، دون أن يشكل ذلك عبئاً على الصندوق، وتبقى أموال المساهمين لهم».
«كما نعمل على تأسيس عدداً أكبر من الصناديق المخطط لها في فترة معينة لمساعدة الأهالي في تأمين مشاريع صغيرة بعد ما خسروه بسبب الأحداث، ويتحدد عدد الصناديق في كل منطقة حسب عدد الأسر الفقيرة فيها» قال دبا.

وقيمتها لا تتجاوز 100 ألف
ويشترط تأسيس الصندوق أن يصل عدد المساهمين إلى 100 مساهم أو أسرة 30% كحد أدنى منهم نساء، والحد الأعلى لعدد المساهمين مفتوح لكن عادة لا يتجاوز 250 مربياً.
ويترتب على المساهم الواحد مبلغ ألف ليرة شهرياً، وللصندوق فترة تجريبية ثلاثة شهور، بعدها تبدأ عملية الإقراض، حيث تتراوح قيمة القرض الواحد بين 50-100 ألف ليرة سورية لكل مرب، وتشارك الدولة بمبلغ 400 ألف ليرة، على أن تصل قيمة مشاركتها في دورة الإقراض الواحدة إلى مليون و250 ألف ليرة سورية كحد أقصى.
وبدأت أول عملية إقراض بتاريخ 12/12/2012، كما بلغ عدد القروض الممنوحة 46 قرضاً حتى تاريخه بتمويل بلغ 4،5 مليون ليرة سورية، قيمة المساهمات فيها بلغت 2 مليون و123 ألف ليرة سورية ، حيث تم تأسيس 15 صندوق تمويل صغير في محافظات حمص، طرطوس، اللاذقية، السويداء، الغاب والحسكة، وبلغ عدد المساهمين 1616 مساهماً، على أن يتم تأسيس خمس صناديق أخرى حسب خطة العام 2013.
يشار إلى أن مشروع تطوير الثروة الحيوانية يعتبر مشروعاً رائداً يعمل في كل محافظات القطر في 1260 قرية بشكل مباشر، ويستهدف 311 ألف أسرة ريفية فقيرة، وتعتبر سورية من أوائل الدول التي طبقت المشروع وتم نقل التجربة إلى باكستان وبنغلادش وغيرها من الدول ذات الطابع الريفي الفقير، علماً أنه مشروع أقيم بالتعاون مع منظمة (إيفاد).
دعوة للتوسع..
طريقة التمويل التي تعتمد على مشاركة الدولة للمجتمع المحلي في تأمين السيولة تثبت نجاحها في تجربة تطوير الثروة الحيوانية، ولكن وفق شروط تمويل تناسب الأسر شديدة الفقر، والبيئات الفلاحية، ونجاح التجربة يسمح بتعميمها ونقلها إلى الورش الحرفية أو إلى أسر بمستوى دخل أعلى أي بشروط أخرى ومساهمات أكبر، على أن يترافق هذا مع خطة إنتاجية وهدف يضعه جهاز الدولة قائم على إمكانيات البيئة المحلية وطبيعة إنتاجها..

المشروع في سطور وأرقام..
15 صندوق تمويل في قرى الريف التي تحقق «شروط الفقر» حتى اليوم..
عدد المساهمين 100 حد أدنى مساهمة الفرد 1000 ل.س تحقق 100 ألف ل.س للصندوق شهرياً كحد أدنى، مساهمة الدولة 400 ألف ل.س.
يحصل كل من  المساهمين على قرض يتراوح بين 50-100 ألف ل.س مع نهايتها تنتهي دورة الإقراض التي من المفترض أن تساهم الدولة فيها بمبلغ مليون و250 ألف ل.س كحد أقصى.
لا توجد فوائد على القرض وإنما يدفع نسبة 4% إضافية تعود على الصندوق وعلى رواتب المشرفين على أمور الصندوق من أهالي القرية.
مدة المشروع الكاملة 8 سنوات تقدم الدولة خلالها مبلغ 175 مليوناً تستردها تدريجياً.
تؤمن الدولة لمربي الماشية المقترض العلف بسعر منخفض وأقنية لتصريف المنتجات.
مجموعة من الخدمات الفنية المجانية التي يقدمها المشروع مثل الخبرات الفنية والآلات لإنشاء معمل صغير، الطبابة للحيوانات وضرورات التكاثر الحيواني، أو أنواع محسنة من مراكز البحوث.