ماذا لو قرر الأمريكيون من أصل صيني العودة إلى بلدهم الذي يحقق النمو؟
ايلينا بوستوفيتوفا ايلينا بوستوفيتوفا

ماذا لو قرر الأمريكيون من أصل صيني العودة إلى بلدهم الذي يحقق النمو؟

هبّت على الأمريكيين نفحات مشرقة من النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي لبلادهم خلال العام الماضي. لكن لا أحد في أيّ مكان يأخذ في الاعتبار أنّ الاقتصاد الأمريكي، بكل مؤشراته ونموه المرتفع، هو أيضاً اقتصاد «صيني»، بمعنى أن الأمريكيين من أصل صيني يشكّلون إحدى أكثر روافع تطوره فعالية. يوجد ما يقرب من 5.5 مليون من هؤلاء الأشخاص اليوم، أي 1.5% من جميع المشاركين في التعداد السكاني الأمريكي لعام 2020. إنّها أكبر مجموعة من الآسيويين في الولايات المتحدة، وأكبر جالية صينية مغتربة خارج آسيا.

ترجمة: أوديت الحسين

مع ذلك، فقد نمت هذه النسبة البالغة 1.5% منذ فترة طويلة من كونهم أصحاب مطاعم الحي الصيني إلى رؤساء أكبر الشركات الأمريكية. الجميع يعرف أسماءهم الصينية. جنسن هوانغ هو رجل أعمال أمريكي من أصل صيني، ومؤسس مشارك ورئيس ومدير تنفيذي لشركة NVIDIA. توني شو هو الملياردير المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة DoorDash، التي تمتلك حصة سوقية تبلغ 56٪ في فئة توصيل الطعام إلى المنزل في الولايات المتحدة. إريك يوان، الرئيس التنفيذي لشركة Zoom Video، يحتل المرتبة الأولى في قائمة Glassdoor للرؤساء التنفيذيين لعام 2023 - وهو أول شخص ملّون يتصدر القائمة. طوّر يوان فكرة Zoom Video أثناء وجوده في سنته الجامعية الأولى في الصين. كان الأمر بسيطًا: كانت صديقته تعيش بعيداً، ممّا جعله يفكر في إنشاء جهاز يسمح لهما بإجراء مكالمات فيديو. ولكن الآن يوفر Zoom Video خدمات المؤتمرات عن بعد باستخدام الحوسبة السحابية. يانغ يوان تشينغ هو الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لشركة لينوفو، إحدى الشركات الرائدة في مجال تصنيع الإلكترونيات الاستهلاكية. تعد شركة Dalian Wanda التابعة لشركة Wang Jianlin أكبر سلسلة دور سينما في الولايات المتحدة، حيث تبلغ حصتها في السوق 24٪. ساني، هي شركة رائدة عالمياً في إنتاج الرافعات الشوكية الكهربائية والحفارات ومعدات الموانئ. إن قائمة الأسماء الصينية في الاقتصاد الأمريكي تستمرّ إلى ما لا نهاية، لذا فإن الألق الخاص بالاقتصاد الأمريكي ينبغي أن يأخذ ذلك في الاعتبار.
لكن هناك سؤال وجيه: ماذا قد يحدث للاقتصاد الأمريكي إذا استجاب الشعب الصيني على هذا النحو لدعوة بكين للعودة إلى الوطن؟ وهذه ليست مجرد دعوة، ولكن، مثل كل شيء آخر من بكين، هناك عمل مكثف ومنهجي لتقليل الخسائر المرتبطة بالضغوط والعقوبات الأمريكية ضد الشركات الصينية، وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات. لقد وجدت شركات تكنولوجيا المعلومات الصينية بالفعل طريقة بسيطة وفعالة بشكل لا يصدق لجذب ما هو أكثر من المواهب الصينية. وكما كتب المحلل دان نيستيدت، فإنهم يعرضون عليهم رواتب أعلى بثلاثة أضعاف، مما يجعل من الصعب جداً رفض العروض. علاوة على ذلك، فإن قيمة الخيارات الإضافية في الصين سوف تكون أعلى دائماً: وهذا يشمل تأميناً طبياً أفضل، وإجازة رعاية أبوية أطول، وفوائد موسعة للتعليم، وغير ذلك الكثير.
برنامج الإعادة إلى الوطن يعمل منذ بداية عام 2022 على الأقل. كانت بكين تستقطب العمال من شركات تكنولوجيا المعلومات الكورية الجنوبية، وتجذبهم على وجه التحديد بمبالغ تحتوي على عدد كبير من الأصفار في سلّم «الراتب» في عقد العمل. وكما ذكرت شبكة سي نيوز الإخبارية، فقد أصبحت هذه العملية منتشرة على نطاق واسع إلى حد أنّ كوريا الجنوبية، بعد أن لفت أحدهم نظرها إلى ما يحدث، وضرورة التصرّف حياله، أنشأت على وجه السرعة سجلاً للمهندسين لتتبع تحركاتهم، ومنعهم من الذهاب إلى العمل لدى الشركات الصينية. في كانون الثاني من ذلك العام، سارعت شركة ميكرون الأمريكية التي تقوم بتصنيع شرائح الذاكرة إلى إغلاق مركز تطوير ذاكرة DRAM الخاص بها في شنغهاي، لأن الشركات الصينية كانت تصطاد باستمرار الموظفين الذين يأخذون خبراتهم ومهاراتهم إلى الشركات الصينية بشكل روتيني.

الصينيون في الولايات المتحدة أكثر قابلية للجذب؟

لكن حتى من دون هذا «النفوذ الحزبي» على الاقتصاد الأميركي، كما يصفه رئيس مجلس إدارة بنك جيه بي مورغان تشيس ومديره التنفيذي جيمس ديمون، فإنّ أزمة الديون الأمريكية الحالية هي «الأزمة الأكثر قابلية للتنبؤ بها» في التاريخ. يقترب الدَّين الخارجي للبلاد في عام 2024 بالفعل من 35 تريليون دولار، أي حوالي 86% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لساعة الدَّين الوطني الأمريكي. بينما الصين لديها أقل من 18٪.
يحذر الخبراء الأمريكيون بالإجماع من أن الوقت قد حان للتوقف عن الإعجاب بالدَّين الوطني على أمل أعمى أن تكون هذه «الفقاعة» أكبر من أن تنفجر، وهو ما قد يكلف الأمريكيين منازلهم، ويقلل من القوة الشرائية، ويثير الشكوك حول الأمن القومي للبلاد. في الوقت نفسه، تشعر واشنطن بالفعل بأنها تواجه «انتفاضة» السوق العالمية بسبب الديون المتراكمة. ويعتقد البروفيسور فيلدكامب أنه «بدلاً من التركيز على مستويات الديون، ينبغي لنا أن نسأل: ما هو العائد على الاستثمار؟ إذا اقترضت الحكومة للاستثمار في مشاريع ذات عائد مرتفع، فهذا أمر جيد. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيكون من الصعب سداد الدَّين بسبب انخفاض الإنتاجية في المستقبل».
ماذا عن المنافسين؟ يعطي موقع Business Insider نفسه صورة معاكسة مفادها: أن «الصين سوف تلحق بالولايات المتحدة بالتأكيد». أعرب الجنرال أنتوني ماستالير، قائد قوات الفضاء الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عن حيرته بشأن برنامج الصين لاستكشاف القمر في مؤتمر عقده الأسبوع الماضي: «من منظور عسكري، أشعر بالفضول… هل هناك ناقلات هجوم لم نأخذها في الاعتبار أو نحتاج إلى أخذها في الاعتبار، سواء كانت xGeo أو القمر القمري أو أي شيء آخر؟ إن استراتيجية الصين القمرية تحتاج إلى دراسة عاجلة». يشعر الجنرال ستيفن وايتنج، رئيس قيادة الفضاء الأمريكية، بالقلق أيضاً، والذي قال في جلسة استماع بالكونجرس في شباط: إنّ «الصين تعمل على توسيع مجالها العسكري وقدراتها الفضائية المضادة بوتيرة مذهلة لحرمان أمريكا وحلفائها من القدرات الفضائية وقتما يريدون».
الحقيقة، أنّ الإمبراطورية السماوية سوف تُلحق العار بالأمريكيين مرة أخرى إذا قامت كما تخطط بإرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول نهاية هذا العقد، كجزء من برنامجها لاستكشاف الفضاء. وقال ريتشارد فيشر من المركز الدولي للتقييم والاستراتيجية لمجلة نيوزويك: «من القمر، يمكن للصين مراقبة الفضاء القمري بشكل أفضل، ونشر أنظمة الليزر أو الصواريخ لمهاجمة الأقمار الصناعية الأمريكية المهمة في الفضاء السحيق».
لكن دعنا نعود إلى الإحصائيات التي تسعد الأمريكيين، والتي تعتمد على نمو الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الاسمية، وخاصة بالعملات المختلفة. لكن بالقيمة الحقيقية، مع أخذ تعادل القوة الشرائية في الاعتبار مع خصم التضخم، سجّل الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة نمواً بنسبة 2.5% على مدار العام، وفي الصين بنسبة 5.2%. والآن لن يطول وقت انفجار الفقاعة... وهنا الوقت المناسب لذكر إحصائيات مشارك آخر في السباق الاقتصادي على القيادة - الهند، التي من المتوقع أن ينمو اقتصادها في السنة المالية 2024، التي بدأت في الأول من نيسان، بما لا يقل عن 7%.
صحيح أنّه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت الصين ستسيطر على جزء ما من القمر أم لا. لكن حقيقة أنّها ستشدّ «خيط» الدَّين الوطني الأمريكي بشكل أكثر إحكاماً، هي حقيقة لا جدال فيها. لننتظر حتى تنفجر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:26